تعرف اللغة بأنها نظام يتكون من رموز عدة ضمن تنظيم صوتي ودلالي وقواعدي تشكلت وتطورت عبر عدة مراحل، ويشار إلى أن أصل اللغة موضوع نقاش لم يحسم حتى هذه اللحظة، فهنالك من رأى أن أصل اللغة يعود للمقاطع الصوتية المرتبطة بالأشياء المستخدمة في الحياة اليومية والتي استخدمت طريقة للتعبير والتواصل، وهنالك من رأى أن اللغة اشتُقت من حركة الجسد والإيماءات والمقاطع المرتبطة بها، وآخرون يرون أنها من أصل فطري، أي مرتبطة بالأصوات التي تصدر عند شعور الشخص بالعواطف وغيره.

ومن ناحية أخرى، يرى آخرون أن اللغة ذات أصل ديني وتطورت من خلال الوحي وتم تناقلها عبر السلف، وهنالك من يرى أن السلف اخترع اللغة عن وعي ونتيجة فكر حقيقي بهدف التواصل والإشارة إلى الأشياء، إذ خصصت أصوات بشكل عشوائي لتدل على أشياء محددة.

نظريات أصل اللغة

تشير العديد من الدراسات إلى أن معرفة أصل اللغة بشكل قاطع قد يكون من الأمور غير الممكنة، لكن يمكن إيجاز أقدم خمس نظريات وأشهرها في أصل اللغة، والتي قد تساعد على فهم كيفية تكون اللغة ونشأتها، إن صح التعبير، وفيما يأتي ذكرها وتفاصيلها:

  • نظرية محاكاة الطبيعة

نظرية المحاكاة للطبيعة أو المعروفة بنظرية (The Bow-Wow Theory): تشير هذه النظرية إلى أن الإنسان بدأ بتقليد أصوات الطبيعة من حوله للتعبير عن حالة أو شيء ما، وكانت اللغة كلمات ذات صدى مثل (مو، مواء، قاق، بانغ)، لكن لقيت هذه النظرية الكثير من النقد وأهم ما يجعلها من النظريات غير المثبتة إلى يومنا الحالي أن عدد الكلمات التي يمكن أن تنتج عن عملية محاكاة صوت الطبيعة قليلة مقارنة باللغة المستخدمة حاليًا، وأن أغلب الكلمات المحكية ذات أصل حديث وليست مشتقة من أصول طبيعية.

  • النظرية الفطرية (دينغ دونغ)

أشار أفلاطون وفيثاغورس إلى أن اللغة نشأت وتطورت نتيجة لاستجابة الإنسان للصفات الأساسية للأشياء في البيئة، أي أن الكلمة المستخدمة مرتبطة بشكل أو بآخر بصفة الشيء الذي تصفه لوجود علاقة فطرية بين الصوت ومعنى الشئ الموصوف، وغالبًا ما ينظر إلى أن هذه النظرية لا يمكن أن تثبت بالدليل القاطع إذ لا يوجد أي دلائل قطعية حتى يومنا الحالي تثبت وجود علاقة بين الصوت والمعنى.

  • النظرية الموسيقية (لا لا)

أشار علماء الصوتيات واللغة أن اللغة نشأت وتطورت من أصل عاطفي أو غنائي أو عن طريق اللعب، إلا أن هذه النظرية تلقت العديد من الانتقادات إذ لا يمكن من خلال اعتماد هذه النظرية أصلًا للغة تفسير الفرق والفجوة بين الجانب العقلي والعاطفي في التعبير اللغوي أو الكلامي، فكيف للغة ذات الأصل العاطفي أو الغنائي أو اللعب أن تعبر عن العقل؟

  • نظرية المداخلات أو الصرخات

تشير هذه النظرية إلى أن أصل اللغة نشأ وتطور نتيجة مداخلات أو صرخات عفوية أنتجها الإنسان في لحظات شعورية حسية مثل الألم أو الصدمة أو المفاجأة وما إلى ذلك، ويشير علماء اللغة والأصوات إلى أن هذه النظرية لا يمكن أن تؤخذ حقيقة على أصل اللغة نظرًا أن المداخلات والصرخات والأصوات الصادرة نتيجة شعور أو إحساس أو رد فعل لا علاقة لها بالحروف الموجودة في علم الأصوات.

  • نظرية العمل البدني

تشير هذه النظرية إلى أن اللغة وأصلها يعود إلى الهمهمات وأصوات الشخير وآهات الإنسان العامل، والتي تنتج عن عمل بدني شاق، ويشير عالم اللغة بيتر فارب إلى أن هذه النظرية تحتوي على عيوب خطيرة ولا يمكن لها أن تصمد أمام التدقيق الدقيق للمعرفة الحالية حول البنية اللغوية وتطورها.

تاريخ اللغة وتطورها

يعتقد أن اللغة تطورت منذ آلاف السنين بشكل بطيء من مفردات قليلة مقارنة بيومنا الحالي وبنية قواعدية أبسط بكثير مما هي عليه اليوم، ويمكن القول إنه على الرغم من عدم معرفة أصول اللغة تحديدًا، يشترك عدد قليل من بين 5000 لغة حول العالم وترتبط ببعضها البعض عن طريق الكلمات والتراكيب النحوية وتنحدر من سلف مشترك، وتُعدّ اللغات الهندو أوروبية والتي يتحدث بها نصف سكان الكرة الأرضية هي اللغات الأكثر انتشارًا وتضم الهندية والفارسية والإنجليزية، وهي منبثقة من لغة قبلية من بدو قطنوا سهول شرق أوروبا وغرب آسيا، وهي اللغات الموجودة منذ عام 3000 قبل الميلاد.

وبعد عام 2000 ق.م، انتشرت اللغات الهندو أوروبية نتيجة تنقل الأشخاص عبر أوروبا وصولًا إلى المحيط الأطلسي وشواطئ البحر الأبيض المتوسط وجزء كبير من الهضبة الإيرانية، وعلى مدار التاريخ تطورت اللغات نتيجة تأثرها بعوامل عدة أهمها الغزو والتجارة والدين والتكنولوجيا.

ويُشار إلى أن اللغات انتشرت وتطورت أيضًا حسب استخدامها وفائدتها، فاللغات الأكثر وجودًا وانتشارًا حاليًا هي لغات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمادة أو اختراع أو لأنها تتميز ببساطتها وسهولة فهمها، ويُشار أيضًا إلى أن العديد من اللغات أصبحت لغات مشتركة عالميًا مثل اللغة الفرنسية في فترة حكم لويس الرابع عشر نتيجة قوة الدولة الفرنسية وهيبتها، لتحل محلها اللغة البريطانية (الإنجليزية)، والتي انتشرت في يومنا الحالي نتيجة الهيمة الأمريكية في القرن العشرين.

ويمكن الإشارة إلى أهم مراحل تطور اللغة بناء على النظريات اللغوية ما قبل التاريخ منذ الإنسان البدائي وحتى الإنسان العاقل كما يأتي:

  • لغة الإنسان البدائي وإنسان هايدلبيرغ

يعتقد أن الإنسان البدائي استخدم الإيماءات والحركات الجسدية والهمهمات والايماءات السمعية، خاصة للفترة المسائية (الظلام)، كشكل أولي من أشكال اللغة، ومع مرور الزمن بدأ الإنسان البدائي الاستفادة من هذه اللغة وطورها واستخدمها بصورة أكبر خلال النهار، ويشار إلى أن هذه المرحلة اقتصرت على اللغة الشفوية وليست المكتوبة، إذ تميز تطور اللغة في هذه المرحلة بالبطء الشديد ولم يصل لمرحلة اختراع الأبجدية للتعبير عن اللفظ الصوتي بمقطع كتابي.

  • لغة إنسان نياندرتال

تشير دراسات الإنثروبولوجيا إلى أن إنسان النياندرتال امتلك مناطق دماغية أصغر مقارنة بالإنسان الحديث مما يدل على غياب السمات اللغوية، لكن من ناحية أخرى تشير التحليلات الأحفورية لإنسان النياندرتال أنه امتلك قدرات سمعية وكان قادرًا على التنفس المعتدل المساعد على الكلام، مما يشير إلى استخدامه الأصوات المفتقرة للبنية اللغوية القواعدية المتعارف عليها في الوقت الراهن وسيلة للتواصل.

  • لغة الإنسان العاقل

يشير العديد من علماء اللغة أن لغة الإنسان العاقل تعود إلى 50000 سنة والتي نشأت في شرق إفريقيا واعتمدت على استخدام التركيب اللغوي (الفعل والفاعل والمفعول به)، وتجدر الإشارة إلى أن جميع لغات العالم الحالية المتطوره عن لغة الإنسان العاقل تستخدم ترتيب (اسم وفعل وفاعل) وتقع ضمن عائلة اللغات الهندو أوروبية.