يُعدّ فن المسرح أحد أهم أشكال الفنون التفاعلية الذي يجمع بين الصوت والحركة والعناصر البصرية، ويشتمل في وقتنا الحالي على العديد من المقومات مثل الارتجال ونقل النصوص المكتوبة إلى نصوص حية تمثيلية، إضافة إلى العروض التقديمية الإلكترونية متعددة الوسائط، ومن الجدير ذكره أن فن المسرح يلعب دورًا مهمًا في عملية ترك الأثر على الفكر والأشخاص إذ إنه ينقل كل ما يتعلق بالحياة الإنسانية والاجتماعية والفكرية والسياسية بصورة مبنية على الفهم والتفاعل بما يترك بصمة قوية على المتلقي، فهو قائم بصورة أساسية على تحاور العقل والعاطفة في آن واحد.

مفهوم فن المسرح

يُعرّف المسرح لغة بأنه مكان وقوع حدث ما أو التمثيل فيه، أما المسرحية فهي تمثيل رواية على خشبة المسرح، ويقال المسرح هو المكان المرتفع من الخشب ضمن مساحة أو قاعة تُمثّل عليه المسرحيات.

وفن المسرح (بالإنجليزية: Theater Art) هو أحد أنواع الفنون المهتمة بصورة حصرية بالعروض الحية التي تخلق إحساسًا لدى المتلقي بالدراما، ويشار إلى أن كلمة مسرح (Theater) مشتقة من الكلمة اليونانية (Theaomai) والتي تعني الرؤية، إذ يمكن القول إن فن المسرح قائم بصورة أساسية على حاسة البصر.

ومن الجدير ذكره أن فن المسرح لا يُعدّ فنًا أدبيًا خالصًا في المقام الأول إذ يتضمن العديد من العناصر الغنائية والتمثيلية والحركية، بينما يأتي النص المسرحي أو الرسالة النصية في فن المسرح عنصرًا ثانويًا، حيث إن النص سيترك أثرًا وانطباعًا أقوى ذي ديمومة على عقل المتلقي وفكره عندما يظهر على شكل ومضات في خضم العرض الشامل.

تاريخ فن المسرح

يعود تاريخ فن المسرح إلى 1200-1500 ق.م، إذ يشار إلى أن أقدم القصائد المسرحية تعود بتاريخها إلى الأسرتين المصريتين الثامنة عشر والتاسعة عشر، ويشار إلى أن فن المسرح ظهر في البداية لدى المصريين والعرب والصينين واليابانين، إلا أنه في أغلب الأحيان ينسب إلى الرومانيين واليونانيين، ويعود السبب في ذلك إلى أن اليونانيين والرومانيين اشتهروا بالتميز المسرحي إذ أُنتج في عصرهم أهم فنون المسرح وأكثرها تطورًا.

ومن الجدير ذكره أنه خلال القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد ظهر فن المسرح لدى اليونانيين وكانت أولى المسرحيات قصيدة دينية مؤداة من قِبل فرقة غنائية احتفالًا بالآلهة، ويشار إلى أن المسرحية آنذاك  سميت بالقطعة الدرامية إذ كان المغنيون أو المؤدون مُقنّعين -يرتدون الأقنعة- تمثيلًا للشخصيات الأسطورية، ليتطور بعدها فن المسرح ويشمل العنصر الحواري.

وما بعد القرن السادس، أصيب فن المسرح بالركود والخمول إذ اقتصر على التشريعات الدينية والأخلاقية التي نُظمت من قبل الكنيسة، وبقي الحالى على ما هو عليه حتى بداية القرن الخامس عشر حيث شهدت الفنون ومن ضمنها فن المسرح انتعاشًا مع بداية عصر النهضة.

عناصر فن المسرح

يشتمل فن المسرح على عدة عناصر تميزه عن غيره من الفنون الأخرى وفيما يأتي ذكرها وبيانها:

  • الحبكة أو الصراع

تُعدّ الحبكة أو الصراع من أهم العناصر التي يقوم عليها فن المسرح باختلاف أشكاله وأنواعه والتي تشير إلى بناء الأحداث وتسلسلها في خط سير منطقي يساعد على زيادة الشعور بالتشويق والانتباه، ويشار إلى أن الحكبة في فن المسرح عنصر أساسي إذ لا يقوم أي من أشكال الفنون المسرحية دون عنصر الحبكة.

  • الشخصيات

تُشكل الشخصيات في فن المسرح المادة الخام التي يتم تطويعها وتكييفها مع النص الكتابي والإخراج المسرحي والتي تتطلب من الكاتب معرفتها معرفة شاملة بحيث تكون قادرة على ترك أثر على نفس المتلقي، ويشير أرسطو في هذا المقام إلى أن الشخصيات تشكل ثاني أهم عنصر في فن المسرح بعد الحبكة، وغالبًا ما تخضع الشخصيات في فن المسرح لمعايير عدة أهمها المعيار المادي والعضوي والمعيار الاجتماعي والمعيار النفسي.

  • الحوار والحركة

يُعدّ عنصرا الحوار والحركة من أهم عناصر فن المسرح التي تميزه عن الرواية ويستخدمه الكاتب المسرحي لضبط أجزاء فكرة المسرحية، ويمكن تعريف الحوار بأنه الأسلوب المستخدم من قبل الكاتب المسرحي والذي يعطي الشخصيات الحياة ويبرز عنصر الحبكة، وهو العنصر الذي يجعل فن المسرح أقرب ما يكون من المتلقي، وغالبًا ما يظهر في ثلاثة أشكال أساسية وهي:

1) الحوار الفردي: كالتحدث مباشرة مع الجمهور من قبل الشخصية أو تحدث الشخصية الرئيسة مع شخصية غائبة في أثناء العرض.

2) الحوار الثنائي: وهو الحوار القائم بين شخصيتين في المسرحية.

3) الحوار متعدد الأطراف: وهو الحوار القائم بين ثلاث شخصيات فأكثر في المسرحية.

  • العنصر الاجتماعي (البيئة المكانية والزمانية)

يشير العنصر الاجتماعي إلى المكان والزمان اللذين يضمان الحدث المسرحي والبنية الكاملة للقصة من عادات وتقاليد وطريقة العيش وعناصر الضوء والتاريخ وغيرها من التفاصيل الزمانية والمكانية.

خصائص فن المسرح

يتميز فن المسرح عن غيره من الفنون بالعديد من الخصائص وفيما يأتي ذكرها:

  • الإنجازية

تتميز كافة الفنون وخاصة الأدبية بإنجازها بمجرد الانتهاء من عملية الكتابة بينما فن المسرح يبقى غير منجز إلا بوجود عنصر العرض، فما يعطي الحياة والروح للنص المسرحي نقله إلى حيز التمثيل فنًا مرئيًا ومسموعًا، إذ لا يمكن الشعور بالفن المسرحي وعيشه بمجرد قرائته فقط.

  • الآنية

تتميز الفنون الأدبية بصورة عامة بأنها تكتب للتأريخ بينما يكتب فن المسرح لأجل المعايشة، إذ يختص بنقل واقع الحال المُعاش للفترة الزمنية الحالية سواء من ناحية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو عاطفية أو نفسية.

  • المرونة

يتميز فن المسرح عن باقي الفنون البصرية خاصة بأنه مرن يظهر في مظهر جديد ومغاير للمظهر السابق له باختلاف الأزمنة، إضافة إلى تغيّره في العصر الواحد إذ يمكن فيه عرض الدلالات المتناقضة والمختلفة بسهولة ويسر دون إحداث مشكلة لدى المتلقي.

أنواع فن المسرح

يضم فن المسرح ستة أنواع رئيسية وفيما يأتي ذكرها والتعريف بها:

  • فن المسرح التراجيدي (المأساة)

يشمل فن المسرح التراجيدي كافة الموضوعات الجادة البعيدة عن الكوميديا، والذي تكون فيه الشخصية الرئيسية واقعة تحت ضغط الصراعات والمشكلات إذ تتعرض في نهاية المطاف إلى القتل أو الموت أو الانتحار، وغالبًا ما يستمد فن المسرح التراجيدي المعاصر موضوعاته من الحياة الواقعية، على خلاف فن المسرح التراجيدي القديم الذي كان يعتمد بصورة أساسية على حياة الآلهة وإنصافها.

  • فن المسرح الكوميدي (الملهاة)

يتميز فن المسرح الكوميدي بالفكاهة والنهايات السعيدة، وغالبًا ما يتناول موضوعات نقدية اجتماعية ويسخر منها بأسلوب مرح ومضحك، وغالبًا ما يدمج فن المسرح الكوميدي بين الفكاهة والجدية.

  • فن المسرح الشعبي (ميلودراما)

انتشر فن المسرح الشعبي بصورة أساسية في فرنسا في بدايات القرن التاسع عشر ميلادي، ويتميز بشخصياته العامة، ويضم إلى جانب النص عنصر الموسيقى ويعبر عن الأحداث الهامشية أو البسيطة في نسق موسيقى بشكل ساخر، وغالبًا ما ينظر إليه على أنه مزيج ما بين المأساة والملهاة.

  • فن المسرح الغنائي (أوبريت)

نشأ فن المسرح الغنائي في بريطانيا في أوائل القرن السابع عشر ميلادي ويتميز بنوعية حواره  القائم على الغناء، مع وجود أوركسترا وفرقة موسيقية على خشبة المسرح.

  • فن المسرح الاجتماعي (السوسيودراما)

يتناول فن المسرح الاجتماعي موضوع المشكلات الاجتماعية المعقدة، وغالبًا ما يترك الأثر العاطفي على المتلقي بما يساعد على التنفيس عن المشاعر والانفعالات من خلال إثارة التعاطف وتعزيز فهم الظروف التي تُنتج المشكلات.

  • فن المسرح النفسي (السيكودراما)

يتناول فن المسرح النفسي موضوع المشكلات النفسية ويُستخدم بصورة كبيرة وسيلة لمعالجة بعض السلوكيات النفسية لدى بعض الأفراد، وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الفن يستخدم من قبل المعالجين النفسيين بحيث يقوم الشخص الذي يعاني من مشكلة ما بأداء مسرحي يساعد في التعبير الحر عمّا لديه من انفعالات وعواطف وأفكار.