شكيب بن حمود بن حسن بن يونس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان أرسلان، كاتب وأديب ومفكر عربي لبناني لُقب بأمير البيان، وعُرف بإيمانه الشديد بضرورة مواجهة الهجمات الاستعمارية ضد العالمين العربي والإسلامي والتخلص من حالة الضعف والتفكك والضياع التي أرادها المستعمرون للعرب حتى يتمكنوا من السيطرة على الأراضي العربية والإسلامية والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها.

نشأة شكيب أرسلان

وُلد شكيب أرسلان في قرية الشويفات قرب بيروت في 25 ديسمبر 1869 ميلاديًا الموافق 1 رمضان 1286 هجريًا لأسرة تنتمي إلى الدروز، ويُعرف بنسبه الكريم ورفعته حيث تعود جذوره إلى الأمير عون بن ملك الحيرة المنذر الذي شارك مع الصحابي خالد بن الوليد في فتح الشام، أما أمه فكانت شركسية، ويُذكر أيضًا أنها كانت معمرة وكان شكيب متعلقًا بها بدرجة كبيرة، وتزوج شكيب من إمرأة شركسية أيضًا هي السيدة سليمة ألخص حاتوغ.

وعُرف عن شكيب أرسلان تدينه حيث كان محافظًا على صلاته وكان يصوم ويحج ويؤدي سائر العبادات، وكان أيضًا محبًا للقراءة والاطلاع ويجيد العديد من اللغات منها العربية والتركية والفرنسية والألمانية، بالإضافة إلى ولعه بالسفر والتنقل والترحال فقام برحلة مشهورة من لوزان بسويسرا إلى نابولي بإيطاليا، ثم بورسعيد بمصر ومنها عبر قناة السويس والبحر الأحمر إلى جدة ثم مكة؛ وتجدر الإشارة إلى أنه سجل أحداث هذه الرحلة في أحد مؤلفاته المخطوطة.

سبب التسمية بأمير البيان

سُمي شكيب أرسلان بأمير البيان نظرًا لغزارة إنتاجه الأدبي والفكري حيث كان كثير الترحال والتنقل بين العديد من البلدان وكان يسجل كل ما يراه ويشاهده أو يقابله في رحلاته وتنقلاته، بالإضافة إلى أنه التقى بالعديد من المفكرين والأدباء في تلك الرحلات مما أثر عليه وانعكس في بعض كتاباته ومؤلفاته، ومن بين هؤلاء الذين التقى وتأثر بهم الإمام محمد عبده ومحمود سامي البارودي والشيخ إبراهيم اليازجي.

وتعرف أيضًا إلى إسماعيل صبري والشاعر أحمد شوقي الذي كتب عنه كتابًا يصف فيه صداقتيهما لمدة أربعين عامًا، ومن بين من تأثر بهم أيضًا السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان يقتدي بفكره ومنهجه وحياته السياسية، وكذلك المفكر أحمد فارس الشدياق المؤيد للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية.

واتسم أسلوبه بالفصاحة وقوة البيان، وكان متمكنًا من اللغة وله تعبيرات دقيقة، بالإضافة إلى براعته في التصوير فكان جديرًا بلقب أمير البيان.

حياته السياسية

نما لدى شكيب أرسلان منذ السنوات الأولى لنشأته وعي قوي بضرورة الوحدة العربية لمواجهة المستعمرين وأطماعهم في غزو الدول العربية وإضعافها للاستيلاء على خيراتها ومقدراتها، واهتم كثيرًا بقضية الوحدة العربية وكان يدعو في مقالاته إلى قيام الوحدة العربية الكبرى، وحاك المستعمرون وأتباعهم مؤامرات ضده بسبب تلك الدعوات، وتعرض أيضًا لحملات من التشويه والافتراءات والأكاذيب.

اهتم شكيب أرسلان كذلك بأحوال المسلمين في شتى بقاع الأرض وأسس في عام 1924 جمعية "هيئة الشعائر الإسلامية" في برلين من أجل الاهتمام بأمور المسلمين في ألمانيا، وكان أعضاء هذه الجمعية يمثلون معظم الشعوب الإسلامية، وكان أهم ما يميزها هو السمت الديني البعيد عن السياسة وخلافاتها وذلك نظرًا لاختلاف الأيدلوجيات السياسية لمختلف الشعوب والدول.

ويُذكر أيضًا أنه أدرك مبكرًا العامل الديني بين الشرق والغرب وبيّن أثره في إثارة دول الغرب ودعمها لاستعمار الشرق والعالم الإسلامي، بالإضافة إلى أنه ربط بين الحملات الصليبية القديمة نحو الشرق والحملات المعاصرة للفرنسيين والإنجليز والألمان.

وتجدر الإشارة أيضًا أن شكيب أرسلان لم يشترك في الثورة العربية ضد تركيا سنة 1916 ولم يشارك في أحداثها، بل انتقدها وحذر منها مما دعا الكثيرون إلى إساءة الظن به، وكان يفسر موقفه بأنه يرى أن البلاد العربية ستصبح فريسة للاستعمار والمستعمرين وستُقسم بين إنجلترا وفرنسا.

ومما يُذكر له أيضًا أنه حذر من وجود المستعمرين في فلسطين وسعيهم إلى تقسيمها وإنشاء وطن قومي لليهود فيها، ولذلك كان يؤكد على تفضيله وجود الخلافة العثمانية على احتلال المستعمرين الغربيين.

وكان شكيب مولعًا بتمجيد العروبة وكان من أشد دعاة الوحدة العربية ومن أكثر المتحمسين لها، لذلك كان من أوائل الدعاة إلى إنشاء الجامعة العربية إن لم يكن أولهم حيث كان يراها ملاذًا للأمة العربية من التشرذم والانقسام، وسبيلًا إلى النهضة العربية الشاملة في جميع المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية.

ويُذكر أنه كان حريصًا على هويته وقوميته العربية، فكان يخطب دائمًا باللغة العربية في رحلاته إلى أوروبا وأمريكا رغم إجادته للكثير من اللغات مثل الإنجليزية والفرنسية والتركية.

أعمال شكيب أرسلان

عمّر شكيب أرسلان ثمانين عامًا قضى منها نحو ستين عامًا في القراءة والكتابة والاطلاع، وكتب في العديد من المجلات والصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي، بالإضافة إلى مئات الخطب والقصائد وعدد من الكتب، منها:

  • رواية آخر بني سراج: تأليف الكونت دي شاتوبريان – ترجمة: شكيب أرسلان (1925)
  • الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف (1931)
  • تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط (1933)
  • شوقي أو صداقة أربعين سنة (1936)
  • السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة (1937)
  • الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (1939)
  • لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ (1939)

ومن أشهر مؤلفاته المخطوطة:

  • رحلة إلى ألمانيا
  • بيوتات العرب في لبنان
  • مذكرات الأمير شكيب أرسلان، وقد أودعها مكتب المؤتمر الإسلامي في القدس لتنشر بعد وفاته
  • وله العديد من المخطوطات تجاوزت الـ (24 مؤلف) ومعظم هذه المخطوطات موجودة في المكتبة الخاصة بالملك المغربي الحسن الثاني أو موزعة لدى العديد من أبناء الجبل في لبنان وحوران.

ومن أشعاره:

أَسـائَـلُ دَمعي هَل غَدَوتَ مُجيبي                            إِذا شِـئـتَ أَطفى حُرقَتي وَلَهيبي

   وَهَيهاتَ أَن يَقوى عَلى النارِ صيبِ                            وَريـحُ الـرَزايـا آذَنَـت بِهُبوبِ  

لَـئِـن بَكَتِ الخَنساءُ صَخراً فَإِنَّهُ                             لَقَد باتَ يَبكي الصَخرُ طولَ نَحيبي

يَـقولونَ لي صَبراً فَقَد ذُبتُ لَوعَةً                            وَما ذوبَ مِثلي في الأَسى بِعَجيبِ

أَأَحـسَبُ قَلبي مِن حَديدٍ وَإِن يَكُن                              فَـكَـم مِـن شَرارٍ لِلحَديدِ مُذيبِ

وَقـالوا أَلا مَهلاً تَأسَ بِمَن مَضوا                            فَـلَـيـسَ مُصابٌ جازِعٌ بِمُصيبِ

فَـقُلتُ ذَروني وَالأَسى لَيسَ مُغنِياً                           كَـلامَ خَـطـيبٍ مَعَ كَلامِ خُطوبِ

أَجَـلَّ مَـقامي في المَحَبَّةِ وَالوَفا                               عَـنِ الـلَهوِ وَالسَلوانِ بَعدَ حَبيبِ

وَرُبَّ مُـحِـبٍّ بـاتَ يَسلو حَبيبَهُ                                أَلا تِـلـكَ أَجـسـامٌ بِغَيرِ قُلوبِ

أَفـي كُـلِّ يَـومٍ لِـلمَنِيَّةِ حادِثٌ                               يُـسـيـلُ مِنَ الأَجفانِ كُلَّ صَبيبِ

تَـعَـمَّـدنا رَيبَ المَنونِ بِضَربَةٍ                             أَبـى الـدَهرُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ

وفاة شكيب أرسلان

ها قد وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945 وتحررت سوريا ولبنان ليعود شكيب أرسلان إلى وطنه أواخر عام 1946 ويُستقبل استقبال الفاتحين، لكنه لم يلبث أن عاد ومتع نظره برؤية وطنه حرًا مستقلًا حتى تآمر عليه مرض تصلب الشرايين والنقرس والرمل في الكليتين، وثقلت عليه سنواته الثمانين فلم يستطع حمل سنوات أكثر ولفظ أنفاسه الأخيرة في 9 ديسمبر 1946.

دوى الخبر الفاجع في الأنحاء وساد الحزن في العالمين العربي والإسلامي لموته، وشُيعت جنازته في موكب مهيب من الجامع العربي ببيروت، وتقدم هذا الموكب رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك الشيخ بشارة الخوري، ونُقل جثمانه إلى قرية الشويفات، مسقط رأسه، ليُدفن فيها، ورثاه الكثيرون ومنهم الدكتور مصطفى السباعي، فقال:

سلام عليك أبا غالب                                       أمير البيان أمير القلم

هتكت برأيك حجب الظلام                               وثرت إباءً إذا الخطب عم

وطوفت في الأرض تبغي السلام                             لقومك والحق ممن ظلم

فخضت الغمار وصنت الذمار                             وكنت الإمام وكنت العلم