الاتفاقيات غير المتكافئة هو مصطلح يشير إلى عدد من المعاهدات التي فرضتها الدول الغربية خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين على مملكة تشينغ الصينية، وينطبق المصطلح كذلك على المعاهدات التي فُرضت في أواخر مملكة جوسون في كوريا في نفس الإطار الزمني.
خلفية تاريخية
ظهرت الاتفاقيات المتكافئة بالتزامن مع بروز الاستراتيجية التجارية العدوانية للأوروبيين في الشرق الأقصى، فخلال الثلثين الأولين من القرن التاسع عشر أدى النمو الصناعي الهائل للدول الأوروبية إلى زيادة الحاجة إلى التوسع الاقتصادي الخارجي، لذلك لجأت هذه الدول إلى فرض شروطها أحادية الجانب على الصين لتحقيق أهدافها التجارية، وبناءً عليها فقد الصينيون سيادتهم على العديد من أراضي البلاد لصالح بريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، وتمّ اختيار الصين نظرًا لنموها الصناعي والاقتصادي منذ بداية القرن التاسع عشر، مما فتح باب الأطماع الأوروبية الليبرالية في المنطقة، وكان السبيل في تحقيق ذلك هو فرض السيطرة على السوق الصينية بالقوة، ليس فقط من أجل فرض الليبرالية الاقتصادية، ولكن أيضًا لتسويق مخزون الأفيون المنتج في الهند ورد الاعتبار نتيجة لتوجيه الصين عدة إهانات متكررة للبعثات الاستكشافية والدبلوماسية الأوروبية.
بداية الاتفاقيات غير المتكافئة
المعاهدات غير المتكافئة هي سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات التي أجبرت الصين على التنازل عن عدد من حقوقها السيادية والإقليمية، والتي تمّ التفاوض عليها بين الصين والقوى الإمبريالية الأجنبية، لا سيما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة واليابان وروسيا، وتمّت صياغة الاتفاقيات غير المتكافئة وفقًا لشروط اتفاقية عام 1835 بين الصين وخانية قوقند (أجزاء من كازاخستان وأوزبكستان حاليًا)، وكانت بداية النزاع المسلح بين الصين وبريطانيا منذ حرب الأفيون الأولى في عام 1839، والتي تمّ إنهائها من خلال توقيع معاهدة نانجينغ في عام 1842، ووفقًا لشروط تلك المعاهدة اضطرت الصين إلى دفع تعويض لبريطانيا، وتنازلت كذلك عن أراضي جزيرة هونغ كونغ، وإضافة إلى ذلك وافقت الصين على بناء موانئ للسفن التجارية التي سيستخدمها التجار البريطانيون، وفي العام التالي تمّ تعزيز اتفاقية نانجينغ من خلال معاهدة تكميلية تمّ توقيعها في بلدة هومين الصينية في 8 أكتوبر 1843، والتي تمّ بموجبها منح الرعايا البريطانيين في الصين حقوق موسّعة، من غير إخضاعهم للقانون الصيني، ومنحت الصين لبريطانيا جميع الامتيازات التي قد تُمنح لأي دولة أجنبية مهيمنة.
استمرار الاتفاقيات غير المتكافئة
بعد عدة سنوات أجرت الصين سلسلة من المعاهدات غير المتكافئة مع قوى عظمى أخرى، من أبرزها معاهدة وانغيا مع الولايات المتحدة ومعاهدة وامبوا مع فرنسا (كلتيهما في 1844)، وكل معاهدة منهما منحت حقوق إضافية داخل الحدود الصينية، ونتيجة لذلك حصل الرعايا الأجانب على نظام قانوني وقضائي وشرطي وضريبي مستقل عن نظام البلاد، وبعد هزيمة الصين في حرب الأفيون الثانية أمام فرنسا وبريطانيا في عام 1865 تمّ إبرام عدد جديد من الاتفاقيات غير المتكافئة، استكمالًا للمعاهدات القديمة، منها معاهدة تيانجين في عام 1858، وبناءً على بنود الاتفاقيات الجديدة منحت الصين للأجانب حق السفر الحر داخل البلاد وفتحت ممر مائي رئيسي للملاحة الأجنبية، إضافة إلى السماح للمبشرين المسيحيين بنشر معتقداتهم بحرية في الصين ومنح استيراد الأفيون شرعية تامة وافتتاح موانئ جديدة للتجارة الخارجية، وبالتزامن مع ذلك وقعت روسيا اتفاقية منفصلة تسمى معاهدة أيغون في عام 1858، والتي تمّ بموجبها منح روسيا سلطة قضائية على الأراضي الواقعة شمال نهر أمور من تقاطعها مع نهر أرغون إلى مضيق التتار، فيما تركت للصين السيطرة على الأراضي الواقعة جنوب نهر أمور من أرغون إلى نهر أوسوري، وبناءً على هذه المعاهدة يُسمح فقط للسفن الروسية والصينية بالإبحار في أنهار أمور وأوسوري وسونغاري.
نهاية الاتفاقيات غير المتكافئة
فشل الصينيون في تنفيذ بنود معاهدة تيانجين، وبحلول عام 1860 واصل الفرنسيون والبريطانيون حربهم على الصين واستولوا على بكين وأجبروا الصينيين على التوقيع على اتفاقية بكين، التي تمّ من خلالها الوصول إلى تسويات أولية، وفي نفس التوقيت فرضت دول غربية أخرى اتفاقيات جديدة غير متكافئة على الصين، وتمّت ممارسة المزيد من الضغوطات على الصين لإجبارها على تنفيذ بنود جميع المعاهدات السابقة، وتوالت التنازلات الصينية بتتابع، فتنازل الصينيون عن جزء من أراضيهم في فيتنام لفرنسا، في حين تنازلوا عن تايوان وجزر بيسكادوريس لليابان في أعقاب الحرب الصينية اليابانية (1894-1895)، وذلك في معاهدة شيمونوسيكي، وفيها اعترفت الصين باستقلال كوريا وفتحت موانئ جديدة للأجانب، وبحلول عام 1917 ألغت معظم الامتيازات التي حصلت عليها روسيا القيصرية بموجب المعاهدات غير المتكافئة بين عامي 1928 و1931، وتمكن القوميون الصينيون من التوصل إلى تسوية مع الدول الغربية تمّ من خلالها إعادة النظر بالتعرفة الجمركية الصينية، ولكن الامتيازات التي تتعدى الحدود الإقليمية لم يتم التنازل عنها من قِبل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة حتى عام 1946، وتنازلت بريطانيا عن سيادة هونج كونج للصين في عام 1997.
موقف القانون الدولي من الاتفاقيات غير المتكافئة
ازدادت الانتقادات للاتفاقيات غير المتكافئة ومبادئها بسبب تطور القانون الدولي الحديث، الذي يفرض مبدأ المعاملة بالمثل عند إبرام أي معاهدة دولية، سعيًا للوصول إلى توازن عادل بين حقوق الدول الأطراف في الاتفاق الثنائي والتزاماتها، على النقيض من بنود معاهدات الاتفاقيات غير المتكافئة التي يقوم جوهرها على عدم التوازن بين جانبي الاتفاقية، مما عرّض هذا النوع من الاتفاقيات إلى الاستنكار على الصعيد الدولي ، نظرًا لقيامها على مبدأ عدم المساواة الذي يميز عادةً الاتفاقيات الدولية والممارسات القانونية، التي يحظر فيها إجبار الدول الضعيفة على تعاقدات أمنية أو اقتصادية أو عسكرية من قِبل الدول الأقوى لتحافظ على مصالحها الحيوية، مما يؤدي إلى المساس بمصالح الدول الضعيفة وإنهاكها بالالتزامات المفروضة عليها عنوةً، واليوم عند إجراء أي اتفاقيات دولية يلتزم الطرفان بالرجوع إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969، لضمان إجراء اتفاقية تحت مظلة الشرعية الدولية، لا سيما من ناحية معيار عدم التكافؤ، وبخلاف ذلك تصبح المعاهدة مخالفة لمبادئ القانون الدولي العام، مما يقضي ببطلانها في حال لم تراعي قواعد البطلان التي تحكم المعاهدات الدولية عمومًا، والتي تفرض احترام الدول لبعضها البعض وتحقيق مبدأ المساواة في السيادة بينها.