بمجرد أن يُذكر اسم برشلونة يتبادر إلى الذهن فورًا نادي برشلونة الرياضي وفريق كرة القدم الخاص به، وهذا لا لشيء إلا لشهرة هذا النادي الإسباني الاحترافي الذي يلعب في الدوري الإسباني، والذي تأسس في مدينة برشلونة، ثاني أكبر مدينة في إسبانيا وعاصمة مقاطعة برشلونة ومنطقة كتالونيا التي تتمتع بالحكم الذاتي، ويتحدث سكانها البالغ عددهم 5 مليون في منطقة العاصمة و1.6 في بلديتها اللغة الإسبانية والكتالونية، وتصنف هذه المدينة على أنها مركز ثقافي وحضاري واقتصادي رئيسي، لا في جنوب أوروبا فقط بل على مستوى العالم، حيث صُنفت عام 2014م في المرتبة 24 بعد مدينة فرانكفورت مباشرة وقبل مدينة ملبورن.

موقع برشلونة

تقع مدينة برشلونة شمال شرق إسبانيا مقابل البحر الأبيض المتوسط بين نهري بيزيوس شمالًا ونهر يوبريغات جنوبًا، وهي على بعد 150 كم من الحدود الفرنسية جنوبًا، ويُعدّ جبل تيبيدابو البالغ ارتفاعه 512م أعلى نقطة فيها. وبفضل موقعها الاستراتيجي، فإن المدينة كانت تحظى بأهمية كبيرة لا سيما من الناحية السياسية على مر التاريخ، بالإضافة إلى أن موقعها المميز جعلها واحدة من أكبر المدن من ناحية عدد السكان على مستوى العالم، بجانب أنها تُعدّ الميناء الرئيسي والمركز التجاري لإسبانيا عمومًا، وهذا ما يعطيها أهمية ثقافية وسياحية أيضًا.

تاريخ برشلونة وتأسيسها

يمكن أن يعود تاريخ أولى المستوطنات البشرية في برشلونة إلى العصر الحجري الحديث، أما المدينة نفسها فتأسست على يد الرومان الذين أنشأوا أول مستعمرة فيها، وأطلقوا عليها Barcino، وكان هذا في أواخر القرن الأول قبل الميلاد تقريبًا، وبلغ عدد سكان هذه المستعمرة حوالي 1000 نسمة، وأحاطها الرومان بجدار دفاعي ما تزال بقاياه موجودة حتى الآن في البلدة القديمة هناك.

وطوال 200 عام، كانت برشلونة تحت سلطة الدولة الإسلامية، لكن بعد الاستيلاء المسيحي عليها أصبحت مقاطعة تتبع الإمبراطورية الكارولنجية، وخلال فتر ة العصور الوسطى تعززت مكانة برشلونة مركزًا سياسيًا واقتصاديًا مهمًا لمنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، ويمكن تخيل روعة معالم المدنية في هذه الفترة –لا سيما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر– في الحي القوطي.

إلا أن برشلونة عانت من التدهور الشديد من بعد القرن الخامس عشر واستمر هذا التدهور حتى القرن الثامن عشر، وكانت طوال هذه القرون تحاول الحفاظ على وضعها السياسي والاقتصادي، حتى سقطت في يد قوات البوربون عام 1714م، ولم تبدأ في استعادة وضعها الثقافي إلا بحلول منتصف القرن التاسع عشر، حيث ظهرت صناعة النسيج واستطاعت المدينة استعادة مكانتها البارزة مرة أخرى.

وتوسعت المدينة حضريًا بحلول القرن العشرين، وصُممت فيها العديد من المباني المعمارية المميزة، والتي أصبحت الآن من أشهر المعالم على مستوى العالم، لكن مع وقوع الحرب الأهلية عام 1936م قُمعت الحريات وسيطرت الديكتاتورية على البلاد، وظلت هكذا حتى عام 1978م، حيث استعادت برشلونة حريتها وقوتها الاقتصادية، وزادت قوتها وعُززت مكانتها أكثر بعد أن استضافت دورة الألعاب الأولمبية عام 1992، وأصبحت الآن واحدة من أكبر المدن وأهمها على مستوى العالم.

مناخ برشلونة

قبل أن تفكر في السفر إلى برشلونة للسياحة أو لأية أغراض أخرى، يجب أن تعرف مناخ المدينة جيدًا حتى تختار الوقت الملائم للسفر، فبرشلونة في بعض الأحيان تكون عاصفة، إلا أن الجبال التي تحيط بها في شكل نصف دائري تحميها إلى حد كبير من الرياح القوية والباردة التي تأتي من ناحية الشمال والغرب، ويبلغ متوسط درجات الحرارة السنوية للمدينة في العموم 16 درجة مئوية، ويُعدّ يناير أبرد الشهور في السنة حيث تصل درجات الحرارة فيه إلى 9 درجات مئوية، أما شهر أغسطس فهو أكثر الشهور حرارة إذ تبلغ درجات الحرارة فيه 24 درجة مئوية تقريبًا، وتهطل الأمطار على المدينة بمتوسط 600 ملم سنويًا.

أهم معالم الجذب في برشلونة

تتمتع برشلونة بمجموعة من أهم المعالم السياحية التي تجذب العديد من السياح إليها كل عام، سواء لطبيعتها الخلابة أو لجمال الهندسة المعمارية التي تظهر في مبانيها، والتي ترجع لمئات السنين، حتى أن العديد من هذه الأماكن أدرج على قائمة اليونسكو، ومن أهم معالم الجذب التي لا يجب تفويت زيارتها في المدينة ما يأتي:

كنيسة العائلة المقدسة (ساغرادا فاميليا)

تقع كنيسة العائلة المقدسة شمال مدينة برشلونة، وتضفي سحر خاص على المكان من حولها بأبراجها الطويلة التي يقدر عددها بـ 18 برج، وتصنف على أنها واحدة من أكبر الكنائس وأكثرها تميزًا في أوروبا، لذا فصُنفت من قبل اليونسكو واحدة من مواقع التراث العالمي، وصمم هذه الكنيسة المهندس المعماري أنطوني غاودي عام 1883م، لكنها لم تكمل قبل أن يموت.

وواصل بعدها العديد من المهندسين المعماريين استكمال الكنيسة على نفس تصميم غاودي وخططه، ولا يزال البناء فيها مستمرًا حتى الآن، ومن المتوقع أن يكتمل بحلول عام 2026م، وعلى الرغم من أن البناء لم يكتمل، الزيارة مسموحة، حيث يسمح للزوار بالاستمتاع بالأجزاء المنتهية من الكنيسة، وما تحتوي عليه من أعمال فنية وتفاصيل زخرفية راقية ونوافذ زجاجية ملونة تخطف الأنفاس.

الحي القوطي

كان الحي القوطي بمثابة مركز المدينة وروحها على مدار 2000 عام، وما يزال حتى الآن واحد من أجمل الأحياء التي تضمّ الآثار الرومانية القديمة والآثار التي تعود لفترة العصور الوسطى، والتي تجذب العديد من الزوار لمشاهدتها، وأهم المعالم في الحي كاتدرائية برشلونة التي بنيت بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، والتي تُعدّ قلب الحي القوطي بما يحيط بها من شوارع ضيقة مرصوفة بالحصى.

كازاميلا (لابيدريرا)

يُعدّ مبنى كازاميلا الذي يشتهر باسم لابيدريرا واحد من أشهر المباني الأنيقة والغريبة في برشلونة، وهو مدرج في قائمة اليونسكو للتراث، وبُني بين عامي 1906م و1912م، ويميل المبنى إلى أن يكون تمثالًا أكثر من كونه مبنى عادي، لأنه بُني بطريقة منحنية مع نوافذ مستديرة وشرفة ذات سور معدني يلتف حوله النباتات، بالإضافة إلى أن السقف له شكل ملتوي ومتموج، وتزينه مداخن زخرفية مميزة مزينة بالفسيفساء، ويقام في المبنى العديد من العروض الراقصة والمعارض الفنية والمحاضرات على مدار العام، وهو مفتوح للزوار يوميًا إذ إنه يوفر لهم زيارات مصحوبة بمرشدين سياحيين، ويضم المبنى عدد من المتاجر ومطعم راق يقدم المأكولات الكتالونية المميزة.

شاطئ بوجاتيل

شاطئ بوجاتيل واحد من أفضل شواطئ إسبانيا على الإطلاق، وهو يقع ضمن حدود مدينة برشلونة، حيث يتوافد عليه السياح من كل مكان من داخل إسبانيا وخارجها للاستمتاع بالجو المشمس والاسترخاء واللعب وركوب الأمواج والتجديف، ويبلغ طول الشاطئ 600 متر تقريبًا، ويضم العديد من وسائل الرائحة كدورات المياه ومرشات المياه الخاصة بالاستحمام والممشى ومواقف السيارات ومطاعم الوجبات الخفيفة ومحلات الآيس كريم، ويضمّ أيضًا عدة أبراج إنقاذ لحماية الزوار.

متنزه غويل

متنزه غويل حديقة كبيرة وراقية تقع على جانب التل وتبلغ مساحتها 190000 متر مربع، أُنشئت بين عامي 1900م و1914م، وهي مصنفة ضمن قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو، وتحتوي الحديقة على 12 فدان من المساحات الخضراء والحدائق ذات المناظر الطبيعية الخلابة المزينة بالمباني المعمارية السريالية التي صممها أنطوني غاودي، وتضم 8 أفدنة من غابات الصنوبر وبساتين الزيتون، وتحتوي الحديقة على نوافير المياه وعدد من الكهوف والجسور والمقاعد والهياكل الزخرفية المزينة بالفسيفساء، والتراس الذي يوفر إطلالة رائعة على البحر والمدينة، ومتحف يضم قطع فنية رائعة وغيرهم.