عيد النيروز أو عيد رأس السنة القبطية أو عيد رأس السنة المصرية القديمة هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة، الذي يوافق أول شهر توت (أول شهور السنة القبطية)، والذي يأتي بين سبتمبر وأكتوبر حسب الشهور الميلادية، وتُعدّ السنة القبطية أول تقويم عرفه البشر على الأرض، إذ إنها تعود لأكثر من 4241 قبل الميلاد، وكلمة نيروز كلمة قبطية الأصل من الجذع Niiaro-oo الذي يعني الأنهار، وعلى هذا فإن النيروز يكون في منتصف شهر سبتمبر تقريبًا، وهو الوقت الذي كانت ترتفع فيه مياه النهر، فيقوم الناس بالصلاة إلى الإله من أجل ارتفاع المياه أكثر لتروي الأراضي ولطلب بركته في بداية السنة الجديدة، وحين حكم الفارسيين مصر بين 525 إلى 405 قبل الميلاد أخذوا الكلمة ودمجوها مع لغتهم، وأصبح النيروز عندهم بداية سنتهم الفارسية أو عيد الربيع كما يسمونه هناك.
تاريخ عيد النيروز
يعود استخدام التقويم القبطي المعروف إلى الفلاح المصري القديم الذي كان يستخدم هذا التقويم في الزراعة، التي كانت مهمة جدًا لقدماء المصريين، واختار القدماء أول يوم في شهر توت بداية لسنتهم الجديدة "السنة المصرية القديمة" لأن هذا يتوافق مع موسم فيضان النيل، وهو موسم الخير والبركة الذي يعود بالنفع على الجميع وتزداد فيه خصوبة الأرض وتنمو كمية المحصول وتتضاعف فيه، ومع حلول عصر الإمبراطور دقلديانوس الذي كان واحدًا من أصعب العصور التي عانى فيها المسيحيون من الاضطهاد، ظل المصريون محتفظين بالتقويم الذي اعتمد عليه الفلاح المصري القديم في زراعته، مع تغيير عدد السنين وتصفيره، بمعنى جعل أول سنة قبطية هي أول سنة لحكم دقلديانوس، والتي كانت توافق عام 284م و4525 توتية فرعونية، وهذا ما جعل عيد النيروز يرتبط عند المسيحيين بعيد الشهداء، نظرًا لما حدث لهم من أحداث اضطهادية أسفرت عن مقتل العديد منهم.
ولا يزال الأقباط يحتفلون بعيد النيروز إلى الآن ويعدونه أقدم أعياد الأمة، ويقول المقريزي، الذي كان معاصرًا لفترة المماليك في مصر، إن الاحتفال بالسنة الجديدة المصرية في العصور الوسطى كان واحد من أكبر الاحتفالات التي يستمتع ويحتفل بها كل من المسلمين والمسيحيين على حد السواء، وكانت الدولة المصرية تحتفل بهذا العيد وتقوم بتوزيع الهدايا في الاحتفالات الشعبية والكرنفالات، وكان الناس يخرجون فيه إلى المتنزهات العامة ويرشون بعضهم بالماء، ويختارون شخص من بينهم ليكون أمير لعيد النيروز ويسير في موكب في الشوارع والحارات، ويفرض على الناس الرسوم، ومن يمتنع منهم عن الدفع يرشه بالماء، على سبيل اللعب واللهو بالطبع.
*وتعني كلمة "نفرت رنپت" باللغة المصرية القديمة سنة سعيدة.
الاحتفال بعيد النيروز
يحيي المسيحيون ذكرى عصر الشهداء الذي عانوا منه قديمًا في عهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس عام 280م تقريبًا خلال احتفالهم بعيد النيروز، لذا يطلق على هذا العيد اسم "عيد الشهداء"، ويروى –حسب التقاليد القبطية– أن دقلديانوس هذا اشتهر عنه تعذيب آلاف المسيحيين وإعدامهم، الأمر الذي أدى إلى خوفهم وإنكارهم لإيمانهم، وعلى الرغم من شدة ما عاناه المسيحيون في هذا الوقت، يقال إن الكنيسة في هذه الفترة كانت في أقوى عصورها لقدرتها على الصمود رغم هذه التحديات القاسية، ويقول الأب ترتليان من الكنيسة الغربية في القرن الثاني إن "دماء الشهداء هي بذرة الكنيسة"، وهذا المفهوم تبنته الكنائس منذ هذا الوقت وحتى الآن.
ويحتفل المسيحيون الأرثوذكس في مصر وخارجها كل عام بهذا العيد بتناول التمر الأحمر الذي يرمز إلى دماء الشهيد من الخارج، ونقاء قلبه وبياضه من الداخل مثل التمر الأحمر تمامًا، أما بذور التمر فترمز إلى قوة الإيمان، ويأكل بعض المسيحيين في عيد النيروز الجوافة أيضًا، والتي لها نفس المعنى والرمزية الخاصة بالتمور الحمراء، وفي هذا العيد تسترجع الكنيسة قوة إيمان شهدائها التي تعد أساس الكنيسة وجوهرها، ويسترجع المسيحيون النضال الذي خاضه أسلافهم عن طريق الاحتفال بهم وتذكرهم، لكي لا يكون هؤلاء الشهداء جزء من الماضي فقط، بل لكي تعيش ذكراهم وتتجدد كل عام، ويؤمن المسيحيون أنه من خلال احتفالهم بعيد النيروز فإنهم يرون أبواب الجنة أمامهم، ومسيحهم يقترب ليحملهم على السحاب مع أسلافهم الذين دخلوا إلى الجنة بالفعل، ويؤمنون أن كل مسيحي فيهم سوف يتمتع بالعرش الإلهي القائم في السماء.
نشيد عيد النيروز
في عيد النيروز يردد المسيحيون كلمات الأناشيد في أثناء الاحتفال والصلاة، إذ يقولون:
اللهم امنحنا الاحتفال بالنيروز
حتى نشهد سنة مباركة للبشرية جمعاء
ويكون لكل مؤمن تجربة جيدة مع يومك الرائع هذا
وهكذا، سيستمتع الجميع بنور مجدك
نعم، تعال بسرعة أيها الرب
فقلوبنا مشتعلة بحبك
قلوبنا لا تطلب إلا أنت
دعني يا الله احتفل بعيد النيروز بلا انقطاع
دعني أختبر هذا الإنجيل المبهج، إنجيل الوحدة الأبدية معك
عجيب هو الابن الذي دفع ثمن رحلتي إلى حضنك الإلهي وروحك
القدوس الذي شكلني لأصبح عروسًا سماوية
ويحملني بأجنحة مثل الحمامة للاحتفال بزفافي في السماء
أراك عزيزي المسيح قادمًا إلي بنفسك
لقد اخترتني للمشاركة في مجدك
لقد قدمت نفسك كتضحية حب مبهجة
امنحني أن أصبح رمزًا لك
بقلب كبير مليء بالحب لجميع البشر
حتى أصبح مصدر الفرح للجميع
سكنك فيّ أيها الروح القدس يجدد ماهيتي
يحول قبري المظلم إلى شيء مقدس
ويحول ظلمتي إلى ضياء فائق القوة
امنحني مع كل إخوتي الفرصة أن أطير وأكون معك في السماء
اسمح لي أن أحتفل بعيد الشهداء بالشكل اللائق لأمارس أنا أيضًا الشهادة لأجلك
غير حياتي لتكون مليئة بالفرح معك، حتى في لحظات توبتي اليومية
تراني يا ربي فرحًا بك وتفرح بي
تراني الملائكة السماوية آتيًا إليك وهم يرحبون بي
يستقبلونني بفرح شديد لينضموا إلي في مدحك
يراني الخطاة ممتلئ بالفرح ويمتلئون بالأمل
يرونني ابتهج ويشاركوني في توبتي المستمرة
يراني الأنبياء والرسل وكل الشهداء
وهم يحمدونك لأنك سمحت لي بمرافقتهم في مملكتك
يا له من شيء رائع أن تسعد وتبتهج بي
وكذلك تفعل كل خليقتك في السماء وعلى الأرض
لكن الشيطان يهرب أمامي
ويرى فرحك الإلهي ينيرني ويضيء وجهي
لك المجد ينبوع الفرح والنصر
امنحني يا رب أن أحتفل بعيد الشهداء طوال حياتي
حتى أشهد إنجيلك المبهج
حتى أكون دائمًا على اتصال مع حبك الأبوي الهائل
فأنا أراك تنتظرني وتنظر لي بشوق أيضًا