حرب الألف يوم (بالإنجليزية: Thousand Days' War) هي حرب أهلية كولومبية وقعت بين الليبراليين والمحافظين عام 1899م واستمرت حتى عام 1902م وأسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص، إضافة إلى إلحاق أضرار مادية واقتصادية كبيرة بالدولة، ويشار إلى أن الحزب الليبرالي مَثّل مالكي مزارع البُن وتجار الاستيراد والتصدير الذين نادوا بسياسية عدم التدخل الاقتصادي والذين استبعدوا من المشاركات الحكومية بعد انتصار المحافظين عام 1885م في الانتخابات الرئاسية، وبحلول عام 1899 كانت مزارع البن تعمل دون أي أرباح تذكر، مما أثار حفيظة حزب الليبرالييين.
ونتيجة إصدار حكومة المحافظين للعملة الورقية غير المدعومة آنذاك، انخفضت قيمة البيزو (العملة المحلية) بصورة حادة مما أدى إلى سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم مما أدى إلى اندلاع الحرب في مناطق زراعة البن، المناطق الريفية، وبعد 7 أشهر من بداية الحرب، انتهت المرحلة الأولى بهزيمة القوات الليبرالية عام 1900م، مما أدى لتجدد الاشتباكات واندلاع حرب عصابات غير منظمة خلّفت دمار هائل في الممتلكات والأرواح.
وفي عام 1902م ونتيجة عدم قدرة المحافظين على احتواء الوضع الراهن من خلال التكتيكات العسكرية أو مصادرة الممتلكات، قاموا بالإصلاح السياسي لمواجهة الحرب، والذي تضمن العفو والانتخابات الحرة والإصلاح السياسي والنقدي، مما ساعد على انتهاء الحرب والاستسلام من قبل القادة الليبراليين رافائيل أوريبي أوريبي وبنجامين هيريرا.
أسباب حرب الألف يوم
يشار إلى ان الصراع الأساسي وراء حرب الألف يوم هو صراع أيدولوجي بين حزب اللبراليين وحزب المحافظين، وتعود جذور هذا الصراع إلى عام 1831م حين تفككت كولومبيا الكبرى أو العظمى وبرزت عدة قضايا بين الحزبين أهمها تأييد الحكومة المركزية من قبل المحافظين ومنح حقوق تصويت محدودة لليبراليين وإيجاد روابط قوية بين الكنيسة والدولة، ومن ناحية أخرى أيد الليبراليون الحكومات الإقليمية وحقوق التصويت العالمية والفصل بين الدول والكنيسة وتقليل سيطرة الحكومة على الاقتصاد.
ويشار إلى أن المحافظين تأثروا بالكنيسة الكاثوليكية التي كانت مؤسسة مالية قوية إلى جانب كونها مؤسسة دينية، مما ساعد على حصولهم على السلطة واستبعاد الليبراليين منها، ونتيجة اتباعهم السياسات المالية السيئة، ارتفعت نسبة التضخم والاضطرابات الاقتصادية، فلجأ الليبراليون إلى السلاح للإطاحة بالحكومة واندلعت على إثر ذلك حرب الألف يوم.
ومن الأسباب الأخرى التي ساعدت على اندلاع الحرب، إضافة لما سبق، ما يأتي:
- معارضة الليبراليين دستور عام 1886م الذي رأوه دستورًا سلطويًا
- بقاء حزب المحافظين في السلطة عام 1886م بشكل غير شرعي ممثلًا بالرئيس مانويل أنطونيو سانكليمنت ونائب الرئيس مانويل ماروكين
- انخفاض عائدات الجمارك وإصدار عملة نقدية أدت إلى انهيار قيمة البيزو مما تسبب بنشوء أزمة اقتصادية دفعت الحزب الليبرالي إلى إعلان الحرب
- رفض الليبراليين مفاوضات ومعاهدات السلام المبكرة المعروضة من قبل المحافظين
الثورة الليبرالية
بعد انتخاب المحافظين لمانويل أنطونيو سانكليمنت رئيسًا لكولومبيا، ثار غضب الليبراليين الذين اعتقدوا أن الانتخابات زورت بصورة كبيرة، إذ كان سانكليمنت شارك في إطاحة الحكومة عام 1861م وكان لا يحظى بشعبية بين الليبراليين، ونتيجة وضعه الصحي فإن قبضته على الحكم لم تكن صارمة، ليبدأ الليبراليون حينها بالتخطيط للتمرد في أكتوبر عام 1899م.
أعلن الليبراليون في 17 أكتوبر/تشرين أول عام 1899م موعد بدء الثورة التي قادت لحرب الألف يوم، ويشار إلى أن العديد منهم أظهر تردده لاعتقاده أن العدد والتنظيم غير كافيين، وعلى الرغم من ذلك كانت بلدتا سكوكور وسانتاندير المحطات الأولى لبدء الثورة، حيث انتظر الثوار التعزيزات العسكرية من فنزويلا آنذاك، ومع مرور الوقت امتدت الثورة إلى كافة أرجاء كولومبيا.
وبعد انهزام القوات الليبرالية في المرحلة الأولى من حرب الألف يوم، كان المحافظون في وضع حرج إذ انقسم الحزب إلى فصيلين وهم: الحزب التاريخي وفصيل الحزب الوطني، وحاول كل حزب على حدة إعادة النظام إلى البلاد، مما نتج عنه الإطاحة بالرئيس سانكليمنت واستبداله بخوسيه مانويل ماروكين.
ومع مرور الوقت، أصبحت الحرب أكثر وحشية وقمعًا وأصبح الشعب أكثر تعصبًا وأصبحت كافة المحاولات التي تحاول السيطرة على الوضع الراهن سراب وأوهام، وانقسم الليبراليون إلى فصيلين مختلفين إذ دعا الفصيل الأول إلى السلام بينما دعا الفصيل الآخر إلى الحرب واستدامتها، وبقيادة ماروكين تمكن المحافظون من قطع المساعدات التي تقدمها فنزويلا لليبراليين، مما ساعد على استسلامهم لكن بشروط معينة وهي الإصلاح السياسي والاقتصادي.
عواقب حرب الألف يوم
كان لحرب الألف يوم عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية، أهمها:
- استقلال بنما
كانت إحدى أهم نتائج حرب الألف يوم وأخطرها انفصال بنما عن كولومبيا على يد الولايات المتحدة، إذ أصبحت بنما بعد الحرب بفترة بسيطة جمهورية مستقلة لصالح الولايات المتحدة، وتم إنشاء قناة بنما آنذاك.
- مقتل أكثر من 60 ألف شخص
تعددت الإحصائيات حول العدد الصحيح للأشخاص الذين قتلوا في حرب الألف يوم إلا أن المؤرخين يتوقعون أن عدد حالات الوفاة تراوحت بين 60 و100 ألف حالة خلال فترة الصراع كاملة، ويشار إلى أن عدد المشاركين الإجمالي في الحرب كان 110 الآف من بينهم 75 ألف محافظ مقابل 35 ألف ليبرالي.
- نقص في الموارد الغذائية
بعد انتهاء الحرب، استنزفت كولومبيا اقتصاديًا، مما أدى إلى توقف الصناعات وندرة المواد الغذائية الأساسية التي لا يمكن توفيرها إلا بتوفر التكاليف العالية، ويشار إلى أن الحكومة الكولومبية لجأت لاستيراد المواد الغذائية لمدة شهرين بعد انتهاء الحرب.
- زيادة أجور النقل
عانت كولومبيا قبل حرب الألف يوم من عيوب وضعف في تقديم خدمات النقل، وبعد الحرب كانت خدمات النقل محفوفة بالمخاطر مع تدمير نسبة كبيرة منها، ومع ذلك لجأت الحكومة الكولومبية إلى رفع أسعار الشحن ولم يتم تخفيضها مرة أخرى.
- الضعف الاقتصادي
خلال سنوات الحرب كانت الصادرات لدولة كولومبيا متوقفة تمامًا وكذلك الأمر بالنسبة للواردات مما أدى إلى خسارة اقتصادية أثرت على الاقتصاد العام الوطني وجميع ديناميكيات السوق.
- التهجير والعنف
تأثر العديد من سكان المناطق الداخلية بحرب الألف يوم، إذ عانى العديد منهم من العنف واختفت العديد من البلدات التي كانت قائمة على ضفاف نهر ماجدالينا، وانتقل آخرون إلى الجبال وبعض المناطق التي لم تطلها الحرب بشكل كبير، ويشار إلى أن الثروة الحيوانية والغطاء النباتي تأثرا بصورة كبيرة في المناطق التي هجرها أهلها مما تطلب سنوات طويلة للتعافي من هذا الأثر السلبي.
- العنصرية والاستياء
خلفت حرب الألف يوم الاستياء والكراهية بين طرفي الصراع، ويشار إلى أن السنوات العشر التي تلت انتهاء الحرب كانت تشهد العديد من الاشتباكات بين المحافظين والليبراليين خاصة في المناطق القروية.
- الإطاحة بالحزب الوطني
خلال حرب الألف يوم تمت الإطاحة بالحزب الوطني بعد الإطاحة برئيسه مانويل أنطونيو سانكليمنت، ويشار إلى أن هذا الحزب احتضن كلًا من الليبراليين والمحافظين فكان له أيدولوجية ترتكز على قوة الدولة والقومية، ولم يكن مع مُثل المحافظين وكان ضد الليبرالية الراديكالية.
معاهدات نيرلاندا وويسكونسن
وقعت معاهدة السلام الأولى لإيقاف حرب الألف يوم في 24 أكتوبر/تشرين الأول عام 1902 في مزرعة نيرلاندا، وعلى الرغم من ذلك استمر القتال حتى نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، ويشار إلى أن هذه المعاهدة وقعت بسبب القتال الواقع بين سفن الأدميرال باديلا الليبرالية ولوتارو التابعة للممتلكات التشيلية التي أقرضت المحافظين والتي هُزمت أمام بنما في 20 يناير/كانون ثاني عام 1902م.
بعد ذلك كان التهديد الأمريكي ظاهر إذ أرسلت حكومة ثيودور روزفلت -رئيس أمريكا- دعمًا بحريًا لحماية مصالح الولايات المتحدة في بناء قناة بنما، مما أجبر الليبراليين على الاستسلام بقيادة الجنرال بنجامين هيريرا، ووقعت معاهدة السلام النهائية ويسكونسن في 21 نوفمبر/تشرين ثاني عام 1902م على السفينة الحرية الأمريكية ويسكونسن بين المحافظين والممثلين من قبل الجنرال فيكتور إم سالازار، حاكم مقاطعة بنما، والجنرال ألفريدو فاسكيز كوبو، رئيس أركان جيش المحافظين على ساحل المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ وبنما، وبين الليبراليين الممثلين من قبل الجنرال لوكاس كاباليرو باريرا الذي كان مسؤولًا عن الجيش الموحد لكاوكا وبنما، والعقيد أوزيبيو أ. موراليس الذي مثل الجنرال بنجامين هيريرا، والذين مثلوا معًا حكومة كولومبيا بأكملها.