يُعدّ مؤتمر جنيف من المؤتمرات الدولية التي صاغت مجموعة من القوانين الدولية العامة المتعلقة بالحروب والنزاعات المسلحة، بغرض توفير الحد الأدنى من الحماية لأسرى الحروب وجرحاها من مدنيين وعسكريين وضمان معاملتهم معاملة إنسانية.
تاريخ مؤتمر جنيف
كان مؤتمر جنيف في البداية مجرد سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية الدولية التي نتج عنها عدد من الاتفاقيات، من أبرزها القانون الإنساني للنزاعات المسلحة ومجموعة من القوانين الدولية المتعلقة بالمعاملة الإنسانية للأسرى أو الجرحى من الأفراد العسكريين أو المدنيين في المجال الطبي والمدنيين غير العسكريين خلال الحروب والنزاعات المسلحة، وانطلقت اتفاقيات جنيف لأول مرة في عام 1864م، وتمّ تحديث بنودها في عام 1949م بعد الحرب العالمية الأولى.
بداية إقرار مؤتمر جنيف (اتفاقية جنيف الأولى)
بدأت قصة المؤتمر عندما سافر رجل الأعمال السويسري هنري دونان من جنيف إلى شمال إيطاليا للحصول على ترخيص لمشروع تجاري، وهناك وجد نفسه شاهدًا على آثار معاناة مرعبة ناتجة عن معركة سولفرينو الدموية التي اندلعت من أجل تحقيق الوحدة في شمال إيطاليا، وأبدى تعاطف شديد مع الجرحى والعاجزين والمدنيين الأبرياء، وعلى إثر ذلك نشر مذكراته التي رآها في إيطاليا واقترح إنشاء مجموعات إغاثة متطوعة ومدربة لإنقاذ جرحى ساحات المعارك وتقديم المساعدة الإنسانية لمتضرري الحروب، وبالفعل تمّ تشكيل لجنة ضمت هنري دونان ومجموعة من المتطوعين (كانت النسخة الأولية من الصليب الأحمر) لمناقشة كيفية تطبيق أفكار هنري، وفي أكتوبر 1863م سافر ممثلون عن 16 دولة مع معالجين طبيين عسكريين إلى جنيف لصياغة بنود اتفاقية إنسانية في زمن الحرب، وأصبح هذا الاجتماع والمعاهدة الناتجة عنه والموقعة من 12 دولة تُعرف باسم اتفاقية جنيف الأولى.
مؤتمر جنيف لعام 1906 (اتفاقية مؤتمر جنيف الثانية)
في عام 1906م حضّرت الحكومة السويسرية لانعقاد مؤتمر جنيف مرة أخرى، والذي حضره مندوبون عن 35 دولة، بهدف إجراء تعديلات وتحديثات على مؤتمر جنيف الأول، وخرج المؤتمر بعدد من التعديلات التي تتضمن حماية أسرى الحروب وجرحاها، وكذلك العاملين في المجال الطبي على أرض المعركة.
مؤتمر جنيف بعد الحرب العالمية الأولى عام 1929 (اتفاقية جنيف الثالثة)
اتضح بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أنّ مؤتمر جنيف الذي عُقد في عام 1906م لم يغطي جميع القضايا والمشكلات الناتجة عن الحروب والنزاعات المسلحة، لذلك تمّ عقد المؤتمر مرة أخرى في عام 1929م من أجل التأكيد على معاملة أسرى الحرب معاملة حضارية وأن يعيشوا في ظروف تضمن كرامتهم الإنسانية، كذلك أقرّ المؤتمر إنشاء الصليب الأحمر الدولي بصفته منظمة محايدة ومسؤولة عن مساعدة ضحايا الحروب وجمع بيانات الأسرى والجرحى والقتلى.
مؤتمر جنيف بعد الحرب العالمية الثانية 1949 (اتفاقية جنيف الرابعة)
نظرًا لأنّ بعض الأطراف المتحاربة في الحرب العالمية الأولى خرقت المبادئ الأساسية الواردة في اتفاقيات جنيف السابقة، تمّت الدعوة لعقد مؤتمر جنيف من جديد في عام 1949م، وتمّ من خلاله الوصول إلى اتفاقيات نهائية فيما يتعلق بالجرحى والمرضى في ساحة المعركة والغرقى والمصابين في البحار، ووضع بنود صارمة في معاملة أسرى الحرب، وكذلك بنود لحماية المدنيين في زمن الحرب.
اتفاقيات مؤتمر جنيف
صاغ مؤتمر جنيف مجموعة من الاتفاقيات النهائية التي تُلزم الدول المتنازعة عسكريًا تنفيذ بنودها، وهي ما يلي:
- الاتفاقية الأولى
بناءً على هذه الاتفاقية، يجب توفير الحماية والرعاية الطبية للجرحى والعجزة من الجنود وأفراد الخدمات الطبية الذين لا يشاركون في أعمال القتال ضد أحد الأطراف، وتشمل المعاملة الإنسانية المساواة دون التفريق على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الثروة وغير ذلك، وتحظر هذه الاتفاقية التعذيب والتعدي على الكرامة والإعدام دون محاكمة عادلة.
- الاتفاقية الثانية
شملت هذه الاتفاقية ضمان الحماية والعلاج للجنود والقوات البحرية الأخرى، بما في ذلك حماية السفن التي تحتوي على مستشفيات بكوادرها الطبية.
- الاتفاقية الثالثة
حددت هذه الاتفاقية التي تمّ إقرارها في عام 1949م صفة أسير الحرب ومنحته معاملة إنسانية لائقة، كما هو محدد في الاتفاقية الأولى، ويجب عدم انتزاع أي معلومات بالقوة من أسرى الحرب.
- الاتفاقية الرابعة
وفقًا لهذه الاتفاقية، يُمنح المدنيون نفس الحماية والمعاملة الإنسانية الممنوحة للمرضى والجرحى في الاتفاقية الأولى، ويُحظر شن هجمات على المستشفيات المدنية ووسائل النقل الطبية.
حقوق أسرى الحرب
أقرّ مؤتمر جنيف مجموعة من الحقوق التي يجب على جميع الأطراف المتنازعة الالتزام بها تجاه أسرى الحرب، وهي كما يلي:
- معاملة الأسرى باحترام طوال الوقت.
- السماح للأسرى إخبار أقاربهم والصليب الأحمر الدولي باعتقالهم.
- يُمنح الأسرى حق مراسلة الأقارب واستلام طرود المساعدات.
- توفير الطعام والملابس المناسبة للأسرى.
- توفير مأوى للأسرى يضاهي ذلك الخاص بجنود آسريهم.
- تقديم الرعاية الطبية لهم.
- تقديم أجر لهم عن أي عمل يقومون به.
- إعادة الأسير إلى وطنه إذا كان مصاب بمرض خطير أو كانت إصابته شديدة، شريطة موافقته على عدم استئناف واجباته العسكرية لاحقًا.
- إطلاق سراح الأسرى وإعادتهم إلى وطنهم فور انتهاء الحرب.
- يحظر إجبار الأسير على تقديم معلومات باستثناء اسمه ورقمه العسكري ورتبته.
- يُحظر مصادرة أي من متعلقات الأسير من أموال أو غيرها من دون إعادتها له في وقت الإفراج عنه.
- يُمنع منح امتيازات فردية للأسرى باستثناء السن أو الصحة أو الجنس أو الرتب العسكرية.
- يُمنع وضع الأسير في حبس عقابي مثل الحبس الانفرادي ما لم تصدر منه أفعال مخالفة للقانون.
- يُحظر إجبار الأسير على القيام بعمل خطير أو عسكري أو غير صحي.
التصديق على اتفاقيات مؤتمر جنيف
دخلت جميع بنود اتفاقيات جنيف رسميًا وبشكل موسّع حيز التنفيذ في 21 أكتوبر 1950م، ثمّ تزايد التوقيع عليها من الدول على مدى السنوات التالية، حيث صادقت 76 دولة على الاتفاقيات في الخمسينيات و48 دولة في الستينيات و20 دولة في السبعينيات و20 دولة أخرى في الثمانينيات، بينما صادقت 26 دولة على اتفاقيات مؤتمر جنيف في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، وكذلك حدثت 7 تصديقات جديدة منذ عام 2000، مما رفع عدد الدول الأطراف إلى 194 دولة، وبالتالي أصبحت اتفاقيات مؤتمر جنيف قابلة للتطبيق على نطاق واسع عالميًا.