
بعد وفاة الإسكندر الأكبر في بابل في 323 قبل الميلاد بقيت الإمبراطورية العظيمة التي بناها من دون قيادة مناسبة، فلم يكن هناك وريث معين للعرش، وعلى إثر ذلك تقاتل القادة العسكريون على العرش، فيما عُرف بحروب الديادوتشي التي استمرت على مدى ثلاثة عقود من الصراع الشرس من أجل السيطرة على الإمبراطورية.
موت الإسكندر الأكبر
غادر الإسكندر الأكبر وجيشه مقدونيا واليونان في عام 334 قبل الميلاد لغزو الإمبراطورية الفارسية في بابل، وبعد عقد من الحروب مات الملك الفارسي داريوس على يد أحد قادته، وأصبحت الطريق ممهدة أمام الإسكندر ليحقق أهدافه، ولكنه لم يعش ليفعل ذلك، فبعد إحدى الحفلات الليلية الصاخبة تراجعت صحته فجأة، وادعى البعض أنه تعرض للتسمم، وبينما كان الإسكندر على فراش الموت بالكاد يستطيع النطق سلّم خاتمه لقائده المخلص بيرديكاس (بدلًا من القائد هيفايستيون)، ومات الملك محاطًا بقادته دون أن يعين خليفة له على وجه التحديد، وترك القادة خلفه في حيرة من أمرهم بشأن وريث العرش الجديد.
البحث عن وريث للعرش
لم تكن هناك حكومة أو سلطة بيدها اتخاذ قرار تنصيب خليفة للإسكندر الأكبر، نظرًا لأنه عامل قادته معاملة متساوية ولم يمل إلى وضع روح المنافسة بينهم، وبالرغم من ذلك كان هناك مرشحان محتملان لتولي لعرش، وهما الأخ غير الشقيق للإسكندر أرهيديوس، ابن فيليب الثاني وفيلينا، والمرشح الثاني للخلافة هو طفل الإسكندر الذي لم يولد بعد من زوجته الأميرة الفارسية روكسانا، وانقسم القادة إلى مؤيدين لتسلم أرهيديوس الخلافة، وإلى مؤيدين لتسلم ابن الإسكندر الذي لم يولد بعد، وهناك بعض القادة أرادوا تقسيم الإمبراطورية فيما بينهم، حيث فضّل القائد بيرديكاس تسلّم طفل الإسكندر العرش لأسباب شخصية بحتة، وهو أنه سيصبح وصيًا على الوريث الصغير حتى يصبح شابًا، لذلك تعاون بيرديكاس مع أرملة الإسكندر التي رأت أن ابنها هو الوريث الحقيقي لعرش والده، واتفقا على القضاء على أي منافسة، فقام بيرديكاس بجمع القادة لاتخاذ قرار نهائي بشأن الوريث، ولكن رفض معظمهم فكرة انتظار ولادة طفل روكسانا، لا سيما أن والدته كانت فارسية، لدرجة اقترح أحد القادة تنصيب ابن الإسكندر هيراكليس من عشيقته بارسين البالغ أربع سنوات على العرش، ولكن تمّ استبعاد هذا الاقتراح بسرعة، وفضّل البعض تنصيب أرهيديوس أخ الإسكندر الذي يعاني من مشاكل عقلية، فقام قائد المشاة ميليجر برفقة عدد من رفاقه بتمرد، اختاروا على إثره شقيق الإسكندر لخلافة العرش، وأطلقوا عليه لقب فيليب الثالث، وهذا لم يعجب بيرديكاس ورأى ذلك تهديد للإمبراطورية وحاول القبض على القائد ميليجر الذي اختبأ في أحد الملاجئ، ولكن تبعه القائد بيرديكاس وأعدمه هناك، وقضى على حركة التمرد بهدوء، وبعدها قرر بعض القادة انتظار ولاده طفل روكسانا، وبالرغم من ذلك فإنّ وفاة ميليجر أدت إلى تغيير موقف عدد من القادة، الذين بدأوا بالحروب التي عُرفت بحروب الديادوتشي، والتي استمرت من 323 إلى 281 قبل الميلاد، والديادوتشي هم قادة الإسكندر الأكبر وأصدقائه الذين تنازعوا على عرش المملكة بعد وفاته.
حرب لاميان
كانت حرب لاميان أول رد فعل على وفاة الإسكندر والاختلاف على اختيار وريث للعرش، حيث شكلت أثينا ومدن أخرى تحالف للتمرد على الإمبراطورية، ولكن تمكن القائد العسكري أنتيباتر من محاصرة المتمردين في قلعة لاميا، وهُزم الأثينيون في معركة كرانون في 5 سبتمبر 322 قبل الميلاد، وبهذا انتهت المقاومة اليونانية للسلطة المقدونية.
حرب الديادوتشي الأولى (322-320 قبل الميلاد)
كانت بداية حروب الديادوتشي الفعلية بمحاولة زواج القائد العسكري بيرديكاس من الأميرة كليوباترا أخت الإسكندر الأكبر، مما أدى إلى انضمام أنتيباتر وكرياتروس وأنتيجونوس وبطليموس للحرب، التي كان الاندلاع الفعلي لها بسبب سرقة بطليموس لرفات الإسكندر ودفنها في مصر، وقام بيرديكاس بغزو مصر للقضاء على التمرد هناك وإعادة جثة الملك، إلا أنه قُتل على يد جنرالاته في أثناء الغزو، وعلى إثر ذلك تمّ الاتفاق على تعيين أنتيباتر وصي على الإمبراطورية، مع احتفاظ بطليموس بحكم مصر، واحتفاظ ليسيماخوس بحكم تراقيا، بينما مُنح قتلة برديكاس الثلاث وهم -سلوقس وبيثون وأنتجينيس- مقاطعات بابل وميديا وسوسياناعلى التوالى.
حرب الديادوتشي الثانية (319-315 قبل الميلاد)
بعد وفاة أنتيباتر عام 319 قبل الميلاد اندلعت الحرب من جديد، على الرغم من وصيته بأن يكون بوليبيرشون خليفة له، ففي البداية اندلعت حرب أهلية في مقدونيا واليونان بين بوليبيرشون وكاساندر، بدعم من أنتيجونوس وبطليموس، حيث تحالف بوليبيرشون مع يومين في آسيا، ولكن قام كاساندر بطرده من مقدونيا وفرّ إلى اليونان مع ابن الملك الرضيع، الإسكندر الصغير، ووالدته روكسانا، وهناك انضمت والدة الإسكندر لهم، واتفقوا على غزو مقدونيا معًا، وهناك حاول جيش الملك فيليب مقاومتهم، ولكنه فشل في ذلك، وتمكن كاسندر من الاستيلاء على بعض المدن المقدونية الرئيسية، يرافقه في إنجازاته ابن الملك الصغير ووالدته، أما في الشرق فحاول يومين السيطرة على أراضي الإمبراطورية هناك، إلا أنه تعرض للخيانة والقتل على يد رجاله في النهاية، تاركًا الحكم في أراضي المملكة الآسيوية لأنتيجونوس.
حرب الديادوتشي الثالثة (314-311 قبل الميلاد)
في حرب الديادوتشي الثالثة كانت المواجهة مع أنتيجونوس الذي نمت قوته للغاية، وواجه بطليموس وليسيماخوس وكاساندر، وغزا سوريا التي كانت تحت سيطرة بطليموس وحاصرها لأكثر من عام، ولكن تمكن بطليموس في نهاية المطاف من هزيمته، مما دفعه للتوجه إلى بابل في 310 قبل الميلاد، لتقوم بعدها الحرب البابلية التي انتهت بهزيمة أنتيجونوس، بالتزامن مع ذلك أقدم كاساندر على قتل ابن الإسكندر ووالدته روكسانا.
حرب الديادوتشي الرابعة (308-301 قبل الميلاد)
اندلعت الحرب من جديد نتيجة سعي بطليموس إلى توسيع نطاق سلطته لتشمل قبرص وبحر إيجه، بينما سعى سلوقس إلى إحكام هيمنته على الأراضي الشرقية للإمبراطورية، وفي حين توجه ديميتريوس بن أنتيجونوس إلى اليونان واحتل أثينا، ولكن تمكن كاساندر من تحريرها من جديد، مما دعا ديميتريوس إلى التوجه إلى قبرص، وبالفعل تمكن من السيطرة عليها وهزم بطليموس، وبحلول عام 306 قبل الميلاد حاول غزو مصر، ولكن منعت العواصف أسطوله من التقدم، مما دفعه للعودة إلى دياره.
نهاية حروب الديادوتشي
بعد سلسلة من حروب الديادوتشي ومعاركه لم يستمر بطليموس في حكم مقدونيا مدة طويلة، وتُركت البلاد في النهاية للغزوات البربرية المستمرة، وسرعان ما انتشرت قبائل الغال عبر اليونان ومقدونيا وغزت آسيا الصغرى، وبعد عدة سنوات من عدم الاستقرار ظهر أنتيغونوس غوناتاس ابن ديمتريوس حاكم لمقدونيا في آسيا، وتمكن أنطيوخوس الأول ابن سلوقس من هزيمة الغزاة السلتيك، الذين استقروا في وسط الأناضول، وبعد مرور 50 عام من وفاة الإسكندر الأكبر تمت استعادة النظام في البلاد، ولكن بعد أن انقسمت إلى ثلاثة أجزاء، وهي مصر وجنوب سوريا والأراضي الآسيوية للإمبراطورية واليونان ومقدونيا، وحكم كل منطقة حاكم مستقل.