لكل دولة من دول العالم طبق تشتهر به ويرتبط بها فهناك الكشري المصري والكبسة السعودية والدولمة العراقية والكبة السورية والمسخن الفلسطيني، وعندما نتحدث عن الأطباق الأردنية فإنّ المنسف أهمها، فهو الأكلة الأكثر شهرةً في المطبخ الأردني والأكلة الشعبية لجميع فئات المجتمع وأطيافه، والمنسف عند الأردنيين ليس فقط طبق مصنوع من بعض اللحم والأرز والجميد، ولكنه طبق تاريخي يحمل إرث عريق تناقلته الأجيال جيلًا بعد جيل، وهو رفيقهم في أفراحهم وأحزانهم.
تاريخ المنسف... طبق ولِدَ على إيقاع الحرب
المنسف (بالإنجليزية: Mansaf) عند الأردنيين ليس مجرد أكلة يتم تحضيرها ببعض المكونات، ولكنه طبق ثقافي وتاريخي يحمل معاني الكرامة والعزة والنصر، فتقول القصة إنه خلال حكم الملك المؤابي ميشع في القرن التاسع قبل الميلاد وفي ظل الصراع العربي اليهودي طلب الملك ميشع الذي سَرق اليهود مسلته في القرن الثامن عشر -وهي في وقتنا الحاضر موجودة في متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس- من شعبه طهي اللحم باللبن وتناوله ليتأكد من أنّ شعبه يقف معه ضد اليهود فمن تناول من الطبق فهو معه، لأنه من معتقدات اليهود أنهم يحرمون طهي اللحم مع اللبن.
وحين عَلِمَ أنّ كافة أطياف الشّعب تناولت اللحم باللبن تيقن أنّ لديه شعب وفّي سيقف بصفه لمحاربة اليهود، فأعلن الملك المؤابي حربه على اليهود وانتصر عليهم مما خَلّف الكثير من الحقد والكراهية عند اليهود ضد الدولة المؤابية. ومن ذاك الوقت لليوم لا ينظر الشعب الأردني للمنسف على أنه طبق عادي بل قصة تاريخ صنعه الملك ميشع، فأصبح المنسف له مذاق آخر ألا وهو مذاق العزة والفخر.
سبب تسمية المنسف بهذا الاسم
هناك روايتان في أصل تسمية المنسف، تقول الرواية الأولى إنه سُمى بهذا الاسم لأنّ الملك ميشع عندما أمر شعبه بطهي اللحم مع اللبن فهو بذلك نسف جميع العهود مع اليهود الذين يُعرف عنهم الغدر ومخالفة العهود لذلك أُطلق على هذه الأكلة اسم المنسف، أما الرواية الثانية فتقول إنه سُمي بذلك لأنه كان فيما مضي يُحضر باستخدام الجريشة، وهي نتيجة طحن حبات القمح الكاملة، فبعد حصاد محصول القمح كانت النساء تنسف القمح بمعنى أنها تخلصه من الشوائب والحجارة، وعندما يُطهى المنسف ويقدّم للضيف يقولون له "أكلك منّسف" بمعنى أنّ طعامك تم تخليصه من جميع الحجارة وبهذا يطمئن الضيف من جودة الطعام المُقدّم له ونظافته فيأكل وهو مطمئن.
كيفية تحضير المنسف على أصوله
لتحضير المنسف نحتاج للمكونات التالية:
- 2 كيلو من لحم الخروف البلدي المسلوق.
- رأس خروف مسلوق.
- 2 كيلو من الجميد الكركي منقوع لعدة ساعات ومن ثم يتم خفقه بالخلاط الكهربائي.
- 1 كيلو من الأرز قصير الحبة المنقوع.
- 1 كوب من المكسرات المقلية.
- 1/2 ملعقة صغيرة من الكركم.
- 1/4 كوب من السمن البلدي.
- 2 رغيف من خبز الشراك.
طريقة التحضير:
- نرفع اللبن في وعاء على النار ونضيف له 2 كوب من مرق اللحم، وبعد الغليان نضيف قطع اللحم ورأس الخروف ونتركها تغلي مع اللبن لمدة 30 دقيقة.
- نسخن السمنة في وعاء على النار ثم نضيف عليها الأرز المنقوع والكركم والملح والماء، وبعد الغليان نغطي الوعاء ونتركه على نار هادئة حتى تنضج حبات الأرز.
- نفرد الخبز في طبق تقديم واسع، ثم نوزع فوقه الأرز ثم نرتب عليه قطع اللحم ونضع الرأس في منتصف الطبق ونزين بالمكسرات المقلية.
- نصفّي اللبن ونقدمه بجانب المنسف.
الطقوس المتعارف عليها عند تناول المنسف
يُقدم المنسف بطبق كبير يتناول الجميع منه دون استخدام أطباق فردية، ويكاد المنسف أنّ يكون الطبق الوحيد في العالم الذي يحتاج تناوله لمعرفة العديد من العادات والآداب والالتزام بها، فيما يلي سنتطرق للحديث عن هذه الآداب والعادات:
- يجب على المُضيف، ويُسمى باللهجة البدوية (المعزب)، تقديم المنسف بطبق كبير يتوسطه رأس الخروف، ويُزين الطبق بالمكسرات ويبتعد عن تزيينه بالبقدونس، كذلك يتوجب على المضيف تقدّيم اللبن فاترًا ليتمكن الجميع من تناوله.
- يجب على الضيف أنّ يكون مُهذبًا ولبقًا بطريقة تناوله للمنسف فيجب عليه تناول الطعام باليد اليُمنى والابتعاد عن وضع كلتا اليدين بالطبق والأفضل أنّ يضع الضيف اليد اليسرى خلف ظهره.
- يجب على الضيف تناول الطعام بيده ولا يستخدم الملعقة أو يطلبها، فتناول الطعام بالملعقة أمر غير مقبول.
- يجب على الضيف تناول الطعام الموجود أمامه ولا يجوز أنّ يتناول الطعام الموجود أمام الآخرين.
- يجب على الضيف عدم الاقتراب من رأس الخروف إذ يجب أن يتركه لأهل البيت.
- يجب على الضيف إتقان فن "الدحبرة"، ويقصد بها تشكيل المنسف لكرات ومن ثم تناولها ويكون ذلك بأخذ كمية من الأرز واللحم عليها القليل من اللبن وضغطها باليد ومن ثم تشكيلها لكرة متوسطة الحجم ووضعها في الفم مع المحافظة على عدم ملامسة الأصابع للفم.
- يجب على الضيف عدم تناول كمية كبيرة تزيد عن حاجته من الطعام، مراعيًا تجنب إظهار قاع الطبق (السدر).
- يجب على الضيف التزام الصمت وعدم التحدث خلال تناول الطعام.
- يجب على الضيف عند الانتهاء من تناول المنسف عدم نفض يده في وعاء الطعام.
المناسبات التي يُقدم بها المنسف
من المفارقات الغريبة بهذا الطبق أنه يُقدم في الأفراح والأتراح، فالمنسف سيد الأطباق الأردنية فيتم تقديمه للضيوف في المناسبات المختلفة كولائم الزفاف والتخرج والترحيب بالضيوف وفي عيد الفطر وعيد الأضحى وعند ذبح العقيقة للمولود الجديد وعند عودة الغائب من السّفر، وهو الطبق الذي يُجمع عليه جميع أفراد الأسرة لذلك يُعد من أكثر الأطباق التي يُقبل الأردنيون على تحضيرها في يوم الجمعة وهو يوم العطلة الرسمية في البلاد، ويُقدّم المنسف أيضًا في العزاء ويتناوله أهل الفقيد والمُعزين.