كانت المملكة الليدية في غرب آسيا الصغرى وازدهرت بسبب موقعها على طرق التجارة بين آسيا والبحر الأبيض المتوسط، إلى جانب وفرة مواردها الطبيعية، وواصلت ليديا نمائها وتطورها إلى أنْ أصبحت في النهاية جزء من الإمبراطورية الرومانية.
المملكة الليدية
نشأت المملكة الليدية في العصر الحديدي في غرب آسيا الصغرى، وبالتحديد شرق أيونيا القديمة في المقاطعات التركية الغربية الحديثة لمانيسا وإزمير وأوشاك، وعُرفت المجموعة العرقية التي سكنت هذه المملكة باسم الليديين، وكانت ساردس عاصمة ليديا، وعُرفت لغتهم باسم الليديان، واللغة الليدية هي لغة هندو أوروبية من عائلة لغة الأناضول.
تاريخ المملكة الليدية
تأسست المملكة الليدية من حوالي 1200 قبل الميلاد إلى 546 قبل الميلاد بحد أقصى، وفي خلال القرن السابع قبل الميلاد توسعت حدود ليديا لتشمل كافة مناطق غرب الأناضول، وبحلول عام 546 قبل الميلاد أصبحت المملكة مقاطعة تابعة للإمبراطورية الأخمينية الفارسية، وأصبحت تسمى مرزبانية ليديا أو سباردا بالفارسية القديمة، ولكن في عام 133 قبل الميلاد تحولت ليديا لتصبح مقاطعة تابعة للإمبراطورية الرومانية في آسيا.
العاصمة ساردس
تُعدّ العاصمة الليدية ساردس المصدر الرئيسي لآثار ثقافة ليديا، حيث بدأ التنقيب لأول مرة فيها لأول مرة منذ بدايات القرن العشرين، وتوسّع البحث منذ عام 1958م وما يزال حتى اليوم، ونظرًا لتعاقب الحضارات العديدة على المنطقة لم يُعثر على الكثير من آثار ليديا، باستثناء بعض البقايا المعمارية والثقافية وأجزاء من حصن كبير وبعض المدافن التي تعرضت للنهب في أوقات سابقة، ومن بينها قبر ضخم يُعتقد أنّه يعود لجسد الملك ألياتيس.
الجغرافيا والموارد
اشتُق اسم المملكة الليدية من ملكها الأول ليدوس، وتُعرف ليديا أيضًا باسم مايونيا، واحتل الملك ليدوس آسيا الصغرى (الأناضول)، وكان يحدّها من الجنوب إقليم كاريا ومن الشمال إقليم ميسيا ومن الشرق إقليم فريجيا، وبهذا الموقع الاستراتيجي أصبحت المملكة الليدية منطقة تجارية مهمة، نظرًا لأنها نقطة تقاطع بين الشرق والغرب، وزاد ثراء المملكة أراضيها الخصبة ومواردها الطبيعية، خاصةً الذهب والفضة، وكان من أبرز صناعات ليديا المنتجات الجلدية والمنسوجات الفاخرة.
ثقافة المملكة الليدية
كانت ثقافة المملكة الليدية متنوعة ومعقدة، حيث تأثرت الثقافة الليدية بنظيرتها الإغريقية وخاصةً من ناحية الأدب، واشتهر الليديون بالألعاب والرقصات العسكرية وألعاب النرد والمكعبات، واحتلت الموسيقى مكانة مرموقة في ليديا، أمّا الطب فكان متطور للغاية في المملكة، وشيّد الليديون حصون عظيمة ومقابر ملكية فخمة وخزانات صناعية ضخمة لتجميع المياه، ومن الناحية الدينية اعتقد الليديون بتعدد الآلهة ووجودها المادي المحسوس.
إصدار ليديا للعملة الأولى في التاريخ
يعتقد العلماء أنّ أول العملات المعدنية في العالم صُنعت في المملكة الليدية، وكانت العملة المعدنية في البداية مجرد قطعة معدنية تحمل نقوش بسيطة وتطورت بعد ذلك لتصبح ذات نقوش رائعة تضم شخصيات أسطورية إغريقية، وكانت العملات المعدنية وسيلة للتبادل التجاري والدفع، وهي مصنوعة من الذهب والفضة، وأصبحت العملة الليدية العملة الرسمية للمملكة الليدية، ويُعتقد أنّ أقدم العملات المعدنية في التاريخ تعود إلى النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد في عهد الملك آلياتيس الذي حكم ليديا من 619 إلى 560 قبل الميلاد، وأجمع المؤرخون على أنّ العملة الليدية هي أول عملة أُصدرت رسميًا، وكانت نموذج فعلي لجميع العملات اللاحقة في العالم.
أسرة مرناد الحاكمة للمملكة الليدية
وصلت المملكة الليدية إلى أوج ازدهارها في عهد أسرة مرناد الحاكمة (قرابة 700 - 546 قبل الميلاد)، وكان أول ملوك هذه السلالة الملك جيجز، الذي ذُكر في السجلات اليونانية كأوّل طاغية حكم ليديا، وجاء الازدهار الحقيقي للملكة في عهد الملك كرويسوس آخر ملوك مرناد والذي حكم من 560 إلى 546 قبل الميلاد، حيث غزا كرويسوس المدن اليونانية ووسّع حدود مملكته حتى أوصلها إلى حدود الإمبراطورية الفارسية، ولكنه عزّز علاقاته الدبلوماسية مع اليونانيين، ومن الأمثلة على العلاقات الودية بين المملكة الليدية والإغريق مساهمة ليديا المالية في إعادة بناء معبد آرتميس في أفسس أو إفسوس كما يُطلق عليها أيضًا، وفي خلال الفترة الهلنستية احتل الإسكندر الأكبر ليديا وضمها إلى الإمبراطورية السلوقية، وبعد هزيمة الدولة السلوقية على يد الرومان أصبحت ليديا ضمن مقاطعات آسيا التابعة للرومان.
حقائق مثيرة حول المملكة الليدية
كانت ليديا مملكة عظيمة من ممالك عصور ما قبل التاريخ، ومن أبرز الحقائق المذهلة التي عُرفت عنها ما يأتي:
- كان الليديون محاربين أشداء وسائقي عربات ماهرين وحرفيين ماهرين إذ يُنسب إليهم اختراع النرد.
- اشتهر الملك كروسوس بثروته الهائلة جدًا، والتي جعلت ليديا أكثر ثراءً، لدرجة ضُرب المثل في ثراءه فيقال "أغنى من كروسوس".
- وجد الباحثون في عام 2016 م مطبخ يعود للمملكة الليدية يحتوي على جميع الأواني ووجدوا فيه بقايا لأصداف محار ولعظام حيوانات وأسماك، ومن هنا استنتجوا أنّ النظام الغذائي لليديين كان يعتمد على بحيرة مانياس بشكل رئيسي.
- كانت ليديا أرض للعديد من وديان الأنهار الخصبة، حيث كان نهر تيميس في الجزء الجنوبي من المملكة ونهر هيرموس في الجهة الشمالية ونهر مندريس على الحدود بين كاريا وليديا.
- تقع مدينة ساردس عاصمة المملكة الليدية قديمًا في الوقت الحالي في مدينة مانيسيا التركية، بالقرب من مدينة سرت التركية.