حدثت أزمة المغرب الأولى وأزمة المغرب الثانية نتيجة لطمع عدد من الدول الأوروبية في الاستيلاء على المزيد من الأراضي المغربية، ففرنسا وإسبانيا أبرمتا معاهدة سرية في عام 1904م لتقسيم البلاد بينهما، وهذا ما أثار غضب ألمانيا لاحقًا، وبدأت تحركاتها لقلب الموازين في المنطقة.

ما قبل الأزمة المغربية الأولى

بقي المغرب تحت الحكم الذاتي المحلي حتى عام 1905م، في الوقت الذي احتلت فيه الدول الأوروبية معظم الدول الإفريقية الأخرى، وهذا ما جعله وجهة للأطماع الأوروبية، حيث بدأت أنظار فرنسا تتجه نحو المغرب، مطالبة بحصتها في الأراضي المغربية، وبعد عدة اتفاقيات مع بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، سُمح لفرنسا الانتداب على الإقليم في مقابل أن تتنازل عن أي مطالبات لها في مصر، وبالفعل أجمعت معظم الدول الأوروبية على هذا القرار باستثناء ألمانيا التي لم توافق على هذه الاتفاقية، ومن هنا بدأت الصراعات الكبيرة بين فرنسا وألمانيا حول من يجب أن يهيمن على المغرب، وامتدت هذه الصراعات لتشمل العديد من الدول والقوى العظمى الأخرى، التي توزع انحيازها ما بين ألمانيا وفرنسا.  

سبب الأزمة المغربية الأولى

يعود سبب الأزمة المغربية الأولى (بالإنجليزية: First Moroccan Crisis) إلى الإمبريالية الأوروبية في القرن التاسع عشر، وتعني الإمبريالية احتلال بلد ما لبلد آخر والتغلب على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية له، ونفذت الدول الأوروبية العظمى الإمبريالية ضد بقية دول العالم الأضعف، فمثلًا شنّت الدول الأوروبية حملاتها الإمبريالية الواسعة ضد الدول الإفريقية، في حدث عُرف باسم التدافع من أجل إفريقيا، حيث بدأت الدول الأوروبية بالاقتتال مع بعضها البعض من أجل الاستيلاء على الأراضي الإفريقية، وبمرور الأعوام ازدادت التوترات بين الدول الأوروبية، حيث شعرت ألمانيا أنها لم تحصل على حصة من أراضي المنطقة، إذ حصلت بريطانيا وفرنسا على الحصة الأكبر من الأراضي الإفريقية، بينما كانت تفتقر ألمانيا إلى المستعمرات في إفريقيا وحتى في آسيا، فمثلًا في عام 1914 كانت بريطانيا تمتلك ست وخمسين مستعمرة في جميع دول العالم، وكان لفرنسا تسع وعشرين مستعمرة، بينما اقتصرت مستعمرات ألمانيا على عشر مستعمرات فقط، وهذا ما أشعل فتيل الأزمة المغربية الأولى.

بداية الأزمة المغربية الأولى

كانت بداية الأزمة المغربية الأولى في 31 مارس 1905م، عندما وصل القيصر الألماني فيلهلم إلى طنجة ليعلن دعمه لسلطان المغرب، وهو ما أدى إلى إثارة غضب بريطانيا وفرنسا، ولم يكن للقيصر الألماني ولحكومته أي مصلحة فعلية في المغرب، ولكن كان هدفه الإيقاع بالعلاقات الفرنسية البريطانية، والتي تآمرت على المصالح الألمانية الإمبريالية، وجاءت خطوة القيصر رد فعل على استبعاد الدول الأوروبية لألمانيا من تقسيم أراضي إفريقيا، ولكن لم يتحقّق الهدف الأول في ضرب العلاقات الفرنسية البريطانية، حيث كانت قوية أكثر من المتوقع، وفي زيارته للمغرب أعلن القيصر أنّ بلاده تنظر لسلطان المغرب حاكمًا لدولة حرة مستقلة لا تحكمها أي دولة أجنبية، وذكر أنّ حكومة بلاده ترغب في تنشيط التجارة مع المغرب، وشكّلت هذه التصريحات خروج صارخ عن خط السياسة الخارجية الألمانية، وكانت إعلانًا صريحًا عن تجاوز ألمانيا للسيطرة الفرنسية على المغرب.

رد الفعل الفرنسي

دعت ألمانيا إلى عقد مؤتمر متعدد الأطراف لاستجواب فرنسا أمام الدول الأوروبية العظمى الأخرى، وهذا ما لم يعجب الحكومة الفرنسية، حيث صرّح وزير الخارجية الفرنسي تيوفيل ديلكاسي بأنه لا جدوى من عقد هكذا مؤتمر، وردًا على ذلك هدد المستشار الألماني الكونت برنارد فون بولو بإعلان الحرب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضية، وعلى الرغم من أنّ هذا التهديد كانت خدعة فقط، بلغت الأزمة أوجها في منتصف شهر يونيو، حيث ألغت فرنسا جميع الإجازات العسكرية وهددت ألمانيا بتوقيع تحالف دفاعي مع سلطان المغرب، ولكن لم يكن هناك رغبة فرنسية على الدخول في حرب مع ألمانيا، لذلك وافقت فرنسا على حضور المؤتمر، فيما استمرت الأزمة قائمة حتى عشية انعقاد المؤتمر، حيث تحركت القوات الفرنسية إلى الحدود مع ألمانيا واستدعت ألمانيا وحدات الاحتياط من جنودها.

مؤتمر الجزيرة الخضراء

ردًا على زيارة القيصر الألماني فيلهلم للمغرب وإدلائه بتصريحات تعارض تمامًا المصالح والتواجد والهيمنة الفرنسية في المغرب، انعقد مؤتمر دولي في الجزيرة الخضراء في إسبانيا في يناير 1906م للوصول إلى تسوية بشأن الأراضي المغربية، وبناءً على مخرجات هذا الاتفاق مُنحت فرنسا السيطرة التامة على الشؤون المغربية، ولكنها سمحت للدول الأخرى بحرية التجارة في البلاد، كذلك قيدت الاتفاقية أي عمل استعماري من أي دولة أخرى إلا من خلال الرجوع إلى الدول الموقعة على الاتفاقية، وبهذا وُضع حد لِما يسمى الأزمة المغربية الأولى.

نتائج الأزمة المغربية الأولى

على الرغم من أنّ مؤتمر الجزيرة الخضراء حلّ بشكل مؤقت الأزمة المغربية الأولى، زاد من حدة توتر العلاقات بين الوفاق الثلاثي المتمثل بروسيا وفرنسا وبريطانيا من جهة، والحلف الثلاثي المتمثل بألمانيا وإيطاليا والإمبراطورية النمساوية المجرية من الجانب الآخر، وأدت هذه التوترات في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، من ناحية أخرى أظهرت الأزمة المغربية الأولى مدى متانة الائتلاف الودي بين فرنسا وبريطانيا، حيث دافعت الأخيرة عن فرنسا في أحداث الأزمة حتى الوصول إلى تسوية أنصفتها إلى حد كبير للغاية، وكانت الأزمة سببًا في توثيق العلاقات الروسية البريطانية، وعلى إثر ذلك تمّ توقيع اتفاقية ترسّخ هذه العلاقة في العام التالي من توقيع المؤتمر، بعد أن وقف كل من البلدين في صف فرنسا في الأزمة، على الجهة الأخرى كان القيصر الألماني فيلهلم في غاية غضبه نتيجة للإذلال الذي وضعته فيه قرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء باتفاق من الدول الأوروبية المساندة لفرنسا، ممّا أدى إلى تورط ألمانيا في الأزمة المغربية الثانية.