يعرف الإنسان البدائي الذي هاجر في مجموعات من إفريقيا إلى غرب آسيا وأوروبا منذ أكثر من 300 ألف عام باسم النياندرتال، حيث يعتقد أن أول سمات ظهرت للنياتدرتال كانت في أوراسيا منذ 600 ألف إلى 350 ألف سنة مضت، إلا أن أول إنسان نياتدرتال حقيقي لم يظهر إلا بين 200 ألف و250 ألف سنة مضت، ومن أهم السمات التي ميزت هذا النوع من البشر: القوة الجسدية والأطراف القصيرة نسبيًا والوجه القحفي الذي تتوسطه أنف كبير الحجم.

اسم الإنسان البدائي (النياندرتال) ونسبه وتصنيفه

الإنسان البدائي الذي يعرف باسم النياندرتال (باللاتينية: Homo Neanderthalensis) هو واحد من أنواع الجنس البشري "هومو" الذي اتخذ من أوروبا وعدة أجزاء من غرب ووسط آسيا موطنًا له، تحديدًا من إسبانيا حتى أوزبكستان، وتقول بعض الدراسات إنه وجد أيضًا في فلسطين وليبيا، ووجدت آثار النياندرتال البيئية في أوروبا منذ أكثر من 350 ألف سنة مضت، قبل أن ينقرض منذ 24 ألف سنة، وأطلق على هذا الإنسان البدائي للغاية اسم النياندرتال على اسم موقع من أوائل المواقع التي تم الكشف فيها عن أحافيرهم منتصف القرن التاسع عشر، وهي منطقة تقع في وادي نياندر شرق مدينة دوسلدورف التابعة لولاية الراين الروسية، والتي تعرف الآن باسم شمال الراين وستفاليا.

وصف الإنسان البدائي (النياندرتال) الشكلي

إذا ما قارنّا إنسان النياندرتال بالإنسان الحديث، فإن النياندرتال كانت له بنية ضخمة وأرجل قصيرة مقارنة بالآخر، وهذا ما ساعده على التكيف في المناخات الباردة والحفاظ على درجة حرارة جسده، ويمكننا القول إن جمجمة النياندرتال كانت شبيهة بالجمجمة العادية للبشر الحاليين، حيث بلغ متوسط قحف جمجمة الذكور 1600 سم مكعب والإناث 1300 سم مكعب، لكنها كانت تتميز بانخفاض الجبهة وعلو الأهداب والأنف غير المدببة ذات الفتحات الكبيرة على خلاف شكل أنف الإنسان الحديث.

بجانب أن طول الذكور تراوح بين 164 و168 سم بينما تراوح طول الإناث بين 152 و156 سم، وكان النياندرتال يمتلك ضعف عضلات البشر المعاصرين، مما جعله أشبه بالرياضيين من حيث البنية، أما عظامه فكانت ثقيلة، وتراوح وزنه بين 64 و82 كجم وأطرافه كانت مقوسة وأسنانه قوية للغاية، وكان يمتلك حاجبين كبيرين ومخ ذا حجم أكبر من حجم مخ الإنسان الحالي بمقدار 10 بالمائة تقريبًا.

تطور الإنسان البدائي (النياندرتال) ونظامه الغذائي

تقول الأدلة الأحفورية والجينية إن كلًا من النياندرتال والإنسان الحالي الحديث تطورا من سلف مشترك في الفترة بين 700 ألف و300 ألف سنة مضت، حيث أنهم ينتمون لنفس الجنس "هومو" ويسكنون نفس الحيز الجغرافي الواقع في غرب آسيا، وأصبح إنسان النياندرتال آكل للحوم بسبب قلة الأطعمة النباتية في الفترة الباردة التي عاش فيها، والتي أجبرته على البحث عن خيارات أخرى للطعام والاعتماد عليها بشكل أكبر مثل اللحوم، لذا فإن هناك الكثير من الأدلة التي تقول إن النياندرتال كان صياد محترف وكان يصطاد الحيوانات مثل الرنة والغزال الأحمر ليأكلها.

واكتشف العلماء أن النياندرتال كان يصطاد برماح خشبية حادة وبقايا الحيوانات الضخمة التي تم اصطيادها وذبحها فيما سبق، بالإضافة إلى أن هناك بعض الأدلة التي تقول إن النياندرتال عاش في الأماكن الساحلية وتغذى على الموارد البحرية مثل الدلافين والأسماك، وكذلك الكائنات الأصغر مثل الرخويات والفقمات.

دفن الموتى عند الإنسان البدائي (النياندرتال)

هناك العديد من الأدلة التي تشير إلى أن إنسان النياندرتال قام بدفن موتاه عن عمد وميز قبورهم بالقرابين والزهور، وهذا التقليد لم تمارسه أي نوع من الرئيسيات الأخرى من قبل، ولا أي أنواع بشرية سابقة له، وبالتالي فإن هذا السلوك معقد للغاية عند النياندرتال، بجانب أنه السبب في وفرة الأحافير الخاصة به مقارنة بالأنواع البشرية السابقة.

سلوك الإنسان البدائي (النياندرتال) ومستوى ذكاؤه

على الرغم من أن هذا النوع البشري كان بدائي للغاية، كان بارعًا وذكيًا، حيث استطاع أن يصنع العديد من الأدوات المهمة مثل الصوان والرماح وطور تقنية حجرية مبتكرة يطلق عليها اسم لوفالوا منذ أكثر من 300 ألف سنة مضت، وكان قادرًا على التواصل الجيد، وكانت لديه القوة والفطنة التي مكنته من اصطياد الحيوانات الكبيرة من مسافة صغيرة وقتلها، وهي طريقة محفوفة بالمخاطر، تحتاج قلبًا شجاعًا ومهارة وذكاء في التعامل، بجانب أن النياندرتال استطاع إشعال النيران منذ أكثر من 200 ألف عام، والتي استخدمها لتسهيل حياته في هذه البيئة الصعبة التي عاش  فيها.

أسباب انقراض الإنسان البدائي (النياندرتال)

تقول الدراسات إن النياندرتال مات في الفترة بين 41 ألف و39 ألف عام مضت، ووضع العلماء عدد من النظريات المحتملة التي قد تكون السبب في انقراضه، حيث يقول البعض إن تحول المناخ الذي حدث منذ 55 ألف عام والذي تغير من مناخ بارد جدًا إلى مناخ بارد معتدل هو السبب في انقراض النياندرتال الذي كان جسمه اعتاد على المناخ القارس، بينما تقول النظريات الأخرى إن سبب انقراض النياندرتال هو التهجين الذي حدث مع سلالات البشر المعاصرة، الأمر الذي جعل صفاته تختفي شيئًا فشيئًا.

وهناك بعض النظريات الأخرى التي تعزي سبب انقراض النياندرتال إلى قتلهم قتلًا جماعيًا على يد البشر المعاصرين بسبب أو بآخر، ويقول البعض إن سبب من هذه الأسباب قد يكون إدخال مسببات الأمراض التي لا يمتلك النياندرتال مناعة ضدها إليهم، الأمر الذي تسبب في وفيات جماعية أدت إلى الانقراض، أما العالم ريتشارد كلين فيرى أن إنسان النياندرتال انقرض بسبب الجوع وأن هذا الانقراض كان سريع للغاية.