حرب المائة عام هي سلسلة من الحروب التي قامت بين عائلة فالوا الفرنسية وأسرة بيت بلانتاجت التي كانت تحكم إنجلترا، والذين اشتهروا أيضًا باسم بيت أنجو، واستمرت هذه الحرب بين عامي 1337م و1453م، بهدف السيطرة على العرش الفرنسي الذي أصبح فارغًا بعد أن انتهى الملوك الفرنسيين من عائلة كابيه، حيث ادعى أفراد عائلة فالوا بأحقيتهم في الاستحواذ على لقب ملك فرنسا، بينما ادعى بيت بلانتاجنت بأحقيته هو في عرش فرنسا وإنجلترا على حد السواء، لأن لهم أصول في كل من نورماندي وأنجو الفرنسية.
واستمرت حرب المائة عام على مدى حكم خمسة ملوك إنجليز ونظرائهم من الفرنسيين، وانتصر الإنجليز في معظم المعارك التي خاضوها مع الفرنسيين في هذه الحرب، لكن الفرنسيون هم من انتصروا أخيرًا، وهناك العديد من الأحداث الخارجية التي أثرت على مجريات هذه الحرب وأحداثها، وأبرز هذه الأحداث: تمرد الفلاحين وانتشار الطاعون وعمليات النهب والسرقة في فرنسا وثورة الفلاحين في إنجلترا وغيرها.
أصل تسمية حرب المائة عام بهذا الاسم
تُعدّ حرب المائة عام واحدة من أطول الحروب في التاريخ، وعلى الرغم من أنها سميت "حرب المائة عام" إلا أنها استمرت قرابة 116 سنة، تحديدًا بين عامي 1337م و1453م، وأطلق عليها هذا الاسم الكاتب والمؤرخ الفرنسي فيليب كونتامين في القرن التاسع عشر في كتابه الذي ألفه ونشره عام 1823م، وبعدها ذُكر الاسم في كتاب للكاتب الفرنسي باشليه عام 1852م، أعقبه انتشار للاسم وتداوله في الكتب المدرسية في فرنسا بحلول عام 1839م، لا سيما بعد أن استخدمه الكاتب الفرنسي بورو في كتاب "تاريخ فرنسا للتعليم المدرسي".
أسباب قيام حرب المائة عام
تعود أسباب نشوب هذه الحرب للعديد من الأسباب المختلفة، إذ إن أوروبا مرت في إحدى فترات العصور الوسطى بكساد اقتصادي وتدهور مادي كبير، لذا اقتتلت عائلتا بلانتاجونت البريطانية وكابيتنز الفرنسية على منطقة تدعى غوين، والتي تعرف الآن باسم بوردو، حيث كان كلا الفريقين يريدان السيطرة عليها، ومن جانب آخر فإن الصراع على العرش الفرنسي احتدم بصورة كبيرة بعد وفاة الملك تشارلز الرابع عام 1328م، لأن الملك لم يكن لديه أبناء ذكور يمكنهم تولي العرش من بعده، ولم يكن لديه إلا إبنة واحدة، وكانت زوجته في هذا الوقت حاملًا، وبالتالي كان من المفترض أنها إذا أنجبت ذكرًا فسيكون هو خليفة الملك تشارلز على العرش.
ولأن ملك بريطانيا إدوارد الثالث كان ابن الأميرة إيزابيلا شقيقة الملك تشارلز، اعتقد أن أحقيته بالعرش واجبة، لا سيما بعد أن مات الولد الذي أنجبته الملكة بعد أيام قليلة من ولادته إلا أن الفرنسيين رفضوا رفضًا قاطعًا أن تصبح فرنسا تحت حكم إيزابيلا وزوجها روجر مورتيمر لذا استلم الملك فيليب السادس العرش عام 1328م، لكن الملك إدوارد الثالث لم يرضى أبدًا عما حدث، وقرر استعادة حقه –كما كان يرى– بالقوة.
أحداث حرب المائة عام ومجرياتها
يمكننا تقسيم أحداث حرب المائة عام إلى ثلاث فترات أساسية، وهي:
الفترة بين 1337م إلى 1360م (الحرب الإدواردية)
في أواخر شهر أبريل من عام 1337م، أعلن الملك فيليب السادس عن دعوة إلى السلاح في جميع أنحاء فرنسا بعد أن رفض لقاء وفد من إنجلترا، بسبب قيام الملك إدوارد الثالث بخرق عهده والتزامه بعد أن استضاف عدوه اللدود الملك روبرت الثالث والقيام بمصادرة أقطانيا، فالتقى فيليب المجلس الأعظم في باريس واتفق معهم على ضرورة استرداد أقطانيا، وقامت فرنسا في 24 مايو عام 1337م بالسيطرة على مقاطعة جاسكوني، وهذا الحدث كان بداية نشوب العمليات العسكرية بين الطرفين في حرب المائة عام.
ولم تقف إنجلترا مكتوفة الأيدي، بل شنت غارات على سواحل فرنسا، قامت بعدها عدة مناوشات بين الطرفين، والتي استمرت حتى شهر أكتوبر من نفس العام حين استطاع الأسطول الإنجليزي التفوق على الأسطول الفرنسي بعد أن هاجم جزيرة كادزاند وتخلص من حاميتها العسكرية تمامًا، واستطاع الأسطول الإنجليزي إلحاق الهزيمة بالأسطول الفرنسي في معركة سلويز البحرية في 24 يونيو عام 1340م، وسيطر بفضلها على القنال الإنجليزي، وأصبح بإمكانه النزول ومهاجمة السواحل الفرنسية.
وبحلول يوليو عام 1346م، انطلقت قوات الملك إدوارد الثالث إلى الأراضي الفرنسية ووصلت إلى نهر السوم حيث كانت قوات الملك فيليب السادس في انتظارهم، ونشبت بينهم أول معركة برية كبيرة في 26 أغسطس من نفس العام، عرفت باسم معركة كريسي، والتي انتصر فيها الإنجليز على الفرنسيين، واحتلوا بفضلها ميناء كاليه عام 1347م، وهذا ما اضطر الملك فيليب للهرب إلى إسكتلندا.
واستمرت القوات البريطانية بالانتشار إلى الأراضي الفرنسية، وهُزم الفرنسيون في معركة جديدة عرفت باسم معركة بواتييه عام 1356م، والتي أسر فيها ملك فرنسا في ذلك الوقت الملك "جون الثاني"، فنصب بعده الأمير شارل ملكًا على العرش الفرنسي، حتى عاد جون الثاني للحكم مرة أخرى عام 1360م، وفي نفس العام هاجمت القوات البريطانية باريس التي قاومت باستماتة وألحقت بالجيش البريطاني هزيمة فادحة، فقرر إدوارد الثالث عقد معاهدة بريتاني مع جون الثاني، والتي كان من أهم بنودها تخلي الملك إدوارد عن مطالبته بعرش فرنسا، وتخليهم عن بعض المدن الفرنسية وإعادتها لفرنسا في مقابل تخلي الجانب الفرنسي عن بعض المدن التي احتلتها، مع منح فرنسا لبريطانيا تعويض يقدر بـ 3 مليون جنيه ذهبي، وعاش البلدان بعد هذه المعاهدة في سلام، لا سيما في الفترة بين 1360م إلى 1369م.
الفترة بين 1369م إلى 1389م (حرب كارولين)
حين توفي الملك جون الثاني عام 1369م، تولى الملك شارل الخامس الحكم من بعده، فقامت الحرب بين الطرفين مرة أخرى حين حاول الأمير إدوارد ابن الملك إدوارد الثالث غزو بعض أراضي فرنسا، فأعلن الملك شارل الخامس مصادرة كل الأموال البريطانية بفرنسا، فقامت حرب في مدينة بوردو بين الفريقين، انتصر فيها الفرنسيون على البريطانيين، وبسبب سخط الشعب من الضرائب المفروضة عليهم بموجب معاهدة بريتاني، اضطر الأمراء للضغط على الملك البريطاني لإنهاء الحرب بينه وبين فرنسا، فبدأت مفاوضات بين الطرفين بقيادة الملك شارل السادس عام 1380م وقّعوا على إثرها معاهدة جديدة تعرف باسم معاهدة لولينفين عام 1389م والتي نصت على إيقاف الحرب بين الطرفين لمدة 3 سنوات.
الفترة بين 1415م إلى 1429م (حرب لانكاستريان)
مع تولي الملك هنري الخامس العرش عادت بريطانيا لمطالبة فرنسا بالحصول على بعض المدن الفرنسية، مع طلب الملك الزواج من ابنة الملك الفرنسي الصغرى، إلا أن مطالبه قوبلت بالرفض، فشن البريطانيون الحرب على الفرنسيين مرة أخرى، وألحقوا بهم هزائم ساحقة عام 1415م، ووجد الملك الفرنسي نفسه في وضع صعب، مما اضطره إلى الاعتراف بالملك هنري الخامس ملكًا على فرنسا، ووقعت معاهدة تروا في 12 مايو عام 1420م، والتي أعطت ملك إنجلترا حق الزواج من ابنة ملك فرنسا، وبهذا انضمت فرنسا للتاج البريطاني ، لكن بحلول عام 1424م توفي الملك هنري الخامس وصعد هنري السادس على العرش، ولأن سنه صغير فقد الحكم بالوصاية، وكانت فرنسا قبل ذلك نصبت الملك شارل السابع ملكًا على فرنسا سرًا، وحين شاع الأمر عادت المعارك بين الطرفين مرة أخرى.
وفي هذا الوقت ظهرت فتاة من المقاومة الفرنسية تدعى جان دارك، كانت ريفية جرئية وشجاعة، استطاعت تنصيب الملك شارل السابع رسميًا على العرش عام 1429م، واستمرت المقاومة في أعمالها حتى أرهبت الإنجليز الذين اضطروا لعقد صلح مع الفرنسيين عام 1435م، ووقعوا معهم معاهدة أراس، وبعد فترة من الهدنة عادت الحرب بين الطرفين مرة أخرى عام 1449م، واستمرت حتى نجحت القوات الفرنسية بإجلاء آخر جندي إنجليزي من البلاد عدا كالييه عام 1453م، في معركة عرفت باسم معركة كاستيون.
لكن لم تنتهي الحرب فعليًا بين الطرفين إلا بعد عقد معاهدة بيكوغني عام 1475م، وحينها انتهت الحرب رسميًا بين كل من فرنسا وبريطانيا، بعد أن توقفت بريطانيا أخيرًا عن المطالبة بالعرش الفرنسي.