أسطوانة قورش (بالإنجليزية: The Cyrus Cylinder) أحد أشهر الآثار التاريخية المتبقية من العالم القديم المنقوشة بالكتابة المسمارية الأكادية البابلية بأمر من أول ملوك بلاد فارس القديمة قورش الكبير أو قورش العظيم (بالإنجليزية: Cyrus the Great) والتي عُثر عليها في القرن التاسع عشر ميلادي في بابل، العاكسة للابتكارات التي بدأها الحكم الفارسي في الشرق الأوسط قديمًا ما بين (550-331 ق.م).
ضمت أسطوانة قورش المراسيم المُصدرة بشأن حقوق الإنسان من قبل الملك قورش الكبير، فبعد أن غزت جيوشه بابل عام 539 ق.م حرر العبيد وأعلن أن لكل شخص الحرية في اختيار الديانة الخاصة به، وساعد على إرساء قواعد المساواة العرقية، وسجلت هذه المراسيم وغيرها على أسطوانة عرفت باسم أسطوانة قورش المصنفة كأول ميثاق عالمي لحقوق الإنسان والتي ترجمت إلى اللغات الست الرسمية للأمم المتحدة (العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية)، ومن الجدير ذكره أن مراسيم أسطوانة قورش تتوافق مع المواد الأربع الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كان لأسطوانة قورش دورًا كبيرًا في نشر فكرة حقوق الإنسان من بابل إلى العديد من دول العالم حيث وصلت الفكرة إلى الهند واليونان وروما مما ساعد على إنشاء القانون الطبيعي، وتعد الوثائق التي تؤكد على الحقوق الفردية مثل الميثاق الأعظم المعروف باسم (المانجا مكارتا) الصادر عام 1215م والتماس الحق الصادر عام 1628م ودستور الولايات المتحدة الصادر عام 1787م والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1789م ومشروع قانون الولايات المتحدة الحقوق الصادر عام 1791م واتفاقية جينيف الأولى الصادرة عام 1864م، مماثلة لميثاق قورش.
تاريخ أسطوانة قورش
يعود تاريخ أسطوانة قورش إلى عام 539 ق.م وتتضمن الدستور الحقوقي الذي أقره قورش في كامل الأراضي التي وقعت تحت سيطرته والتي منها منطقة الشرق الأوسط بالكامل إضافة إلى أفغانستان شرقًا، واعتُرِفَ بمحتوى أسطوانة قورش بيانًا صحفيًا لإعلام الجمهور بأن لديهم حكمًا جديدًا ذا أفكار مختلفة عن التي كانت تدعو للعبودية وعدم الحرية.
ويذكر أن أسطوانة قورش جاءت للقضاء على ما أمر به أخر ملولك بابل قبل الغزو الفارسي لها (نابونيدوس) إذ شوه عبادة الآلهة البابلية وفرض العديد من القيود والعبودية على السكان الأحرار، وتقول الأسطورة إن مردوخ إله مدينة بابل اختار قورش الكبير ملك أنشان (بلاد فارس) ليكون ملكًا على العالم أجمع، ووسع قورش حكمه على قبائل إيران ثم توجه إلى بابل بأمر من مردوخ وفرض حكمه عليها وتقبل شعب بابل قورش بفرح وسرور.
وواجه قورش تحديًا بالغًا في التعامل مع الطبيعة متعددة اللغات والأديان من حوله حيث امتدت إمبراطوريته بشكل كبير ووجد أن تطوير نهج يتوافق مع هذا الاختلاف ويقبل التنوع هو الوسيلة الناجحة للحكم والامتداد، ويشير في هذا الصدد العديد من علماء الآثار إلى أن أسطوانة قورش جسدت نموذجًا للدولة القائمة على التسامح والتنوع وتقبل الاختلاف بين الديانات والثقافات، ويشير مدير المتحف البريطاني نيل ماكجريجور أن أسطوانة قورش تمثل المبدأ القائل: "أنه إذا كنت ستدير مجتمعًا بلغات مختلفة ومعتقدات مختلفة، فلا يمكنك فرض نظام واحد بالقوة." وهذه الوثيقة التي كتبت على طين تؤكد على نجاح المبدأ المتبع من قبل أول ملوك فارس والذي أعلن عنه إذ امتدت سلالته في الحكم ما يقارب 200 عام إلى أن غزا الإسكندر الأكبر الإمبراطورية.
ويذكر أن أسطوانة قورش اكتشفت عام 1879م من قبل عالم الآثار الآشوري البريطاني هرمزد رسام عبر برنامج من الحفريات طويل الأمد في بلاد ما بين النهرين، والني وضعت وديعة بعد اكتشافها في المعبد الرئيسي في مدينة بابل وتوجد اليوم في المتحف البريطاني.
محتوى أسطوانة قورش
يقسم النص في أسطوانه قورش إلى قسمين أساسين وفيما يأتي بيان ذلك:
- الأسطر من 1-18
في هذا الجزء من أسطوانة قورش تخبر الكتابة المسمارية الأكادية قصة آخر ملوك بابل (نابونيدوس) الذي منع عبادة مردوخ واضطهد رعاياه مما نتج عنه تقدم الأشخاص بشكوى للآلهة التي اختار قورش وجعلته حاكمًا على العالم، مما جعل الجميع سعداء برؤية الملك الجديد قورش.
- الجزء الثاني
يظهر في الجزء الثاني من أسطوانة قورش صيغة المتكلم إذ يتحدث قورش عن أفعاله وعنايته بعبادة إله بابل وأنه "سمح لهم بالراحة من عبوديتهم وإجهادهم"، ويذكر أنه أعاد حرية العبادة في العديد من الدول وأطلق سراح العديد من المرحلين.
وفيما يأتي اقتباسات من أسطوانه قورش:
اقتباسات من الأسطر من 1-18 (أفعال أخر ملوك بابل والأحداث ما قبل قورش)
- وضع نابونيدوس حدًا للعروض المنتظمة وحسب خطته، ألغى عبادة مردوخ ملك الآلهة.
- كان يفعل الشر باستمرار ضد مدينة مردوخ يوميًا دون انقطاع، وكان يفرض السخرة على سكانها بلا هوادة، ويدمرهم جميعًا.
- عند سماع صرخاتهم، غضب سيد الآلهة بشدة؛ الآلهة الذين عاشوا بينهم وتركوا مساكنهم.
- مردوخ سيد الآلهة تحول باتجاه جميع المساكن التي تم التخلي عنها، وبحث في كل مكان ثم أخذ بيده ملكًا صالحًا نادى اسمه: قورش ملك أنشان؛ نطق باسمه ليكون ملكًا في جميع أنحاء العالم.
- نظر مردوخ السيد العظيم حارس شعبه بفرح إلى أعماله الصالحة وقلبه المستقيم وأمره بالذهاب إلى مدينته بابل. ووضعه في طريق بابل ومثل رفيق وصديق ذهب إلى جانبه.
- جيشه الضخم الذي لا يمكن معرفة عدده مثل مياه النهر سار إلى جانبه مسلحًا بالكامل.
- جعله يدخل مدينته بابل دون قتال أو معركة وأنقذ بابل من المشقة ودفع الى يديه نبونيد الملك الذي لم يتقيه.
اقتباسات من الجزء الثاني
- أنا قورش ملك العالم، ملك عظيم، ملك جبار، ملك بابل، ملك سومر وأكاد، ملك الأرباع الأربعة ابن قمبيز، الملك العظيم ملك من نسل تيسبش، الملك العظيم، ملك أنشان من السلالة الأبدية للملكية، الذي يحبه بيل ونابو، الذين يشتهون ملكيته، يرضي قلوبهم عندما دخلت بابل بطريقة سلمية.
- أخذت مسكن الرب في القصر الملكي وسط ابتهاج وسعادة مردوخ، السيد العظيم، حدد مصيره بالنسبة لي قلبًا رحيمًا لمن يحب بابل، وكنت أداوم يوميًا على عبادته.
- سار جيشي الضخم إلى بابل بسلام لم أسمح لأحد أن يخيف أهل سومر وأكاد.
- لقد بحثت عن رفاهية مدينة بابل وجميع مراكزها المقدسة.
- خففت من تعبهم وحررتهم من خدمتهم، مردوخ السيد العظيم ابتهج بأعمالي الصالحة.
- أعدت صور الآلهة الذين أقاموا هناك، ولاحظت أماكنهم وتركتهم يسكنون في مساكن أبدية. جمعت كل سكانها وأعددت لهم مساكنهم بالإضافة إلى ذلك، بناءً على أمر مردوخ السيد العظيم، استقريت في مساكنهم، في مساكن مرضية، آلهة سومر وأكاد اللذان جلبهما نابونيدوس إلى بابل.